ألكسندر فلمنغ & وينستون تشرشل والبنسلين

في أواخر القرن التاسع عشر (1899م)، وفي صبيحة يوم بارد وقاس من أيام الشتاء، وفي عمق الريف الإنكليزي، سمع مزارع فقير يعيش في بيت خشبي صغير تعصف به الرياح ما يشبه البكاء يأتي من بعيد. خرج ليستكشف الأمر فلعل ذلك كان عويل الريح. تبين له مصدر الصوت، و سار باتجاهه، فرأى شاباً يافعاً يبكي ويستغيث. كان الشاب قد علق في أرض مزرعة طينية تغطيها طبقة رقيقة من الماء تطفو على سطحها طبقة كثيفة من أوراق الخريف المتساقطة. طمأن صاحبنا الشاب الصغير وعاد مسرعاً إلى بيته ليحضر حبلاً. وسرعان ما عاد ورمى الحبل للشاب الذي تعلق به بشدة وجره خارج محنته. طمأنه و أخذه إلى بيته. قدم له كوباً من الشاي الساخن، و غسل ثيابه وجففها على وهج نار مدفأة الفحم الحجري. وبعد أن ارتاح الشاب عاد إلى أهله شاكراً صاحب البيت وزوجته وابنه الصغير ألكسي. وفي صبيحة اليوم التالي، سمع ا لمزارع وزوجته صوت عربة وصهيل خيل. فتح الباب و خرج مسرعاً ليرى عربة فخمة تجرها خيول، ترجل منها رجل وسيم تبدو على محياه أنه من علية قومه. كان ذلك واضحاً له، فسلسال الذهب وساعته في جيبه الأمامي تلمعان وتتألقان، والنظارة ذات العدسة الواحدة والإطار الذهبي البديع تتدلى على صدره بخيطها الحريري الكشميري.


وبعد السلام والترحاب قال السيد: "جئت لأشكرك وأنقدك مالاً لإنقاذ ابني ويس". ابتسم المزارع ورد بأدب شديد: "أنا يا سيدي أنقذت أبنك لأني سعيد بذلك، ولا أريد مالاً". ألح اللورد ورفض المزارع، فقال الأول: "حسن ... دعنا نعمل اتفاقاً آمل أن توافق عليه: إني سأدرس ابني في أحسن مدارس وجامعات بريطانيا وكذلك ابنك الصغير". كان ألكسي ابن المزارع يقف على دكة باب الكوخ يسمع. فرح المزارع فرحاً شديداً واطمأن إلى أن مستقبل ابنه سوف يكون مشرقاً.


ومرت الأيام وكرت السنون ونشبت حروب، ثم حدثت الحرب العالمية الثانية ليصبح ويس (وينستون تشرشل) رئيس وزراء بريطانيا. الحرب قاسية ... بدأت الطائرات الألمانية تقصف لندن وغيرها، ومهمة رئيس الوزراء شاقة، فالإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس وبريطانيا تتحكم بأمواج البحار. وحدث مالا يسر فالزعيم البريطاني الذي علق عليه شعبه وشعوب العالم الحر آمالاً عريضة أصيب بمرض شديد. زادت حدة المرض وساءت حالته فقال له مستشاروه يوجد طبيب في مستشفى سانت ماري (مازال قائماً حتى الآن قرب محطة بادنغتون للقطارات). هذا الطبيب اكتشف دواءً منذ عقد من الزمن أفاد منه كثيرين. ذهب تشرشل إلى المستشفى يشكو من حرارة وعرواءات وسعال وآلام صدر. فوجئ بأن الطبيب ما هو إلا ألكسي (ألكسندر فلمنغ). كان اللقاء مؤثراً، وعادت الذكرى في كليهما إلى عقود مضت وانقضت. طمأنه البروفيسور وأعطاه حقنة عضلية من البنسيلين F، وأعاد الحقن مرة ثانية. انقلبت حالة رئيس الوزراء بسرعة فائقة بدواء فلمنغ الساحر، وعاد في اليوم التالي إلى عمله.


هذا هو وينستون تشرشل ... وذاك ألكسندر فلمنغ.

ولكن ... كيف اكتشف فلمنغ البنسلين؟


كان العالم الفرنسي الشهير لويس باستور (1822 – 1895) قد كشف دور الجراثيم في الأمراض. وتم اكتشاف الفطور أيضاً. وعندما كان فلمنغ طبيباً مقيماً، تذكر أن الفطور تنمو على التفاح الذي يخزنه والده في الشتاء في قبو الكوخ والفطور التي كان تخرب ذلك التفاح. تساءل: هل تقتل الفطور الجراثيم؟ عمل آلاف المزارع الجرثومية في علب بسيطة معقمة، وكان يرقمها ويسجلها، وأضاف إليها أنواعاً وأنواعاً من الفطور بعد نموها بشكل واضح في علبها. ويا للبشرى ... لقد استطاع فطر ما أن يبيد كل جراثيم المكورات الرئوية إبادة تامة في علبة الزرع، فأسمى الفطر بنسيليوم نوتاتوم (أي مرقم)، وقضى سنوات ليعزل المادة الفعالة منه فكان البنسيلينF أي بنسيلين فلمنغ.
اذا عرفت الحقيقة كلها، سوف يكون لي ايمان كايمان مزارعة فقيرة من شمال فرنسا.


سؤال: من هو الصحابي الجليل الذي قال مثل هذه العبارة .. قبل 1300 عام؟


كلما تزداد معرفتي بالكون اقف مشدوها امام عظمة الخالق


(انما يخشى الله من عباده العلماء)




ما أخبار البنسيلينات بعد قرابة ثمانين عاماً؟


في عام 1908 كان Penicillin F باهظ الثمن، وكانت Pfizer أول شركة استطاعت ان تطور البنسيلين F الغالي الثمن لتصنع Penicillin G بنسبة 95% من الإنتاج العالمي.


يرتبط البنسيلين مع بروتين جدار الجرثوم مما يسهل دخول الماء إلى داخله فينتفخ وينفجر ويموت. ولكن مع مرور الأيام أصبحت الجراثيم تغير البروتين المرتبط بالبنسيلين فيصبح الجرثوم مقاوماً أو أن الجراثيم تصنع خميرة حالّة للدواء وتخربه. ومع هذا تبقى البنسيلينات الدواء المفضل لـ: المكورات العقدية A وكافة زمر العقديات، و ليستيريا باستيولا، وأكتينو مايكوزس، وبعض العقديات المعوية، واللاهوائيات، والإفرنجي العصبي.




* بنسيلين G: 2- 4 مليون كل 4 ساعات.


* بنزاتين بنسيلين طويل الأمد: 2.4 مليون كل 3 أسابيع (الحمى الرثوية، والسفلس).


* بنسيلينV: 250 -500 مغ كل 6 ساعات (التهاب البلعوم الجرثومي).


* امبيسيللين سلفا باكتام: 1.5 -3 غرام وريدي 3 مرات يومياً. والسلفا باكتام هو ضد خميرة بتا لكتام الذي تفرزها الجراثيم.


* أموكسي سيللين + كلافولانيك أسيد: كان هذا كشفاً جديداً في عالم البنسيلينات. ولقد سمته الشركة الصانعة باسم أوغمنتين Augmentin. وتصنعه شركات عديدة في سوريا. وهو واسع الطيف، و يؤثر خاصة في الجراثيم إيجابية الغرام.


* نافسيللين، أوكسسيللن: 2 غ وريدي للعنقوديات. يخفف المقدار إلى النصف في قصور الكبد.


* كلوكسا سيللين: 250 – 500 ملغ 3 مرات عن طريق الفم أو 500 ملغ كل 6 ساعات وريدي للمكورات العنقودية.


* تازوسيللين (ببراسيلين + تازوبكتام): 4غ + 0.5 غ كل 4 ساعات، وهو فعال جداً ضد ايجابيات وسلبيات الغرام. ويستعمل بكثافة في العناية المشددة. وإذا كان هناك اشتباه بالعصيات الزرق يجب أن يضاف أمينو غليكو زيد (أميكاسين أو غرامايسين). إن الأعراض الجانبية للتازوسين هي التحسس (كغيره من البنسيلينات)، والتهاب الكلية الخلالي، وفقر الدم، ونقص المحببات، وداء المصل Serum Sickness Like Disease. وقد يسبب نزفاً بسبب اضطراب وظيفة الصفيحات. وفي العلاج المديد يجب مرافبة البولة والكرياتينين.




وأخيراً ... إذا كان هناك اشتباه بالتحسس للبنسيلين أو (أبناء عمومته من السيفالوسبورين) فيجب إجراء اختبار التحسس للبنسيلين، وهذا سهل: توضع نقطة من محلول البنسيلين على سطح الجلد. تنخز البشرة فقط بإبرة ناعمة. ننتظر 5 دقائق، إذا حدث احمرار و وذمة لا يعطى الدواء. ومن المستحسن إجراء اختبارControl . البديل مركبات الماكروليد، مثل: Azithromycin, Clarithromycin.

د. محمود زغيبي