lamsetshefa
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الإتزان البيولوجي

اذهب الى الأسفل

الإتزان البيولوجي  Empty الإتزان البيولوجي

مُساهمة من طرف  الخميس يوليو 26, 2012 12:38 am

الاتزان البيولوجي
يرى البيولوجيون أن الحياة عبارة عن نظام متناسق من التفاعلات الكيميائية. وبالطبع فليس كل نظام من التفاعلات الكيميائية يمكن أن يكون حياة.ولكن الحياة لا يمكن أن تكون بدون النظام المتناسق من هذه التفاعلات.
وتَعرُض الكائن الحي للمثيرات يؤدي إلى اختلال النظام المتناسق لتفاعلاته الكيميائية، أي اختلال إتزانه الكيميائي والحيوي الذي كان قائماً قبل تعرضه لهذه المثيرات. وفي هذه الحالة يسعى لاتخاذ استجابة معينة من شأنها أن تُعيد إليه حالة الاتزان السابقة. فتعرُض العين مثلاً للضوء يُغير من الحالة الكيميائية لشبكية العين، نتيجة سقوط الضوء عليها. وهذا التغير الكيميائي يتحول إلى تغير كهربي، وشحنة كهربية ينقلها العصب البصري إلى المخ لإتمام عملية الإبصار. ولكن إذا تعرضت العين لضوء مُبهر شديد فإن التغير الكيميائي الناتج يكون شديداً هو الآخر، إلى حد إحداث الألم، أو يعرّض شبكية العين لخطر داهم. وفي هذه الحالة يسعى العضو -العين- إلى إزالة الألم في محاولة لاستعادة الاتزان مرة أخرى، وذلك بغلق جفن العين لإبعاد تأثير الضوء المبهر الذي أدى إلى اختلال الاتزان.
ويمكن أن نضرب مثالاً آخر على هذه العملية. فتعرض الجلد لمثير مؤلم -وخز إبرة مثلاً- يؤدي إلى اختلال اتزانه نتيجة ما أحدثه المثير من تغير كيميائي في الخلايا اللمسية الموجودة على سطح الجلد. وهنا ينسحب العضو الذي تعرض للمثير بصورة آلية للابتعاد عن مصدر الألم، وبالتالي استعادة الاتزان السابق. ومثل هذه العمليات تتم على هيئة الفعل المنعكس الآلي، الذي لا يتدخل فيه الفرد.
وبشكل عام فإن الكائن الحي في حالة تعرض مستمر للمثيرات، سواء كانت مثيرات داخلية أو خارجية. وهذا التعرض يؤدي إلى توتر أعضاء الجسم، فتسعى للتخلص من هذا التوتر، بحيث تعود إلى حالة الاستقرار مرة أخرى. وتتم عملية إعادة التوازن هذه عن طريق الجهاز العصبي الذاتي، والحبل الشوكي. وبالتالي يمكن أن نعرف عملية الاتزان البيولوجي أو الحيوي على أنها العملية التي تعمل على ثبات النشاط الوظيفي للكائن الحي. وتتم هذه العملية من خلال العديد من أنظمة الضبط والسيطرة التي توجد على مستوى الخلايا والأعضاء والأجهزة، وما يربط كل هذه المستويات من علاقات.
ويميل الجسم للعمل وفق منظومة التوازن إذا أختل أحد متغيراته عن الحد المطلوب. وعلى سبيل المثال إذا أنخفض مستوى الكالسيوم في الطعام الذي يتناوله الفرد، وبالتالي قل تركيزه في الدم عن مستواه المطلوب، فإن الجسم سرعان ما يحوّل الكالسيوم الموجود في مناطق تخزينه في العظام، ليزيد مستواه في الدم مرة أخرى. وإذا زاد مستوى الكالسيوم في الدم، فإن الجسم يعمل على سحبه من الدم وتخزينه، وإفراز جزء قليل منه في البول والبراز. وهكذا الأمر لكل العناصر الهامة للجسم من سكر، ودهون، وبروتينات. وكلها محاولات للبقاء في حالة من الاتزان.
إذن فالاتزان البيولوجي أو الحيوي إتزان داخلي يشير إلى ثبات البيئة الداخلية للكائن الحي. فالعوامل الداخلية والخارجية تعمل باستمرار على تغير حالة الكائن وأنسجته وخلاياه وأعضائه. وعلى الرغم من هذا التعرض المستمر فإن وسائل التوافق والتوازن، وعوامل المقاومة داخل كل من الجهاز العصبي والجهاز الغُدي، تعمل على بقاء حالة الكائن الحي ثابتة ومستقرة برغم العوامل المتغيرة التي يتعرض لها.
وقد ظهر مصطلح الاتزان الحيوي أو الهوميوستازيس Homeostasis في أواخر القرن التاسع عشر، حين اوجده والتر كانون W. Canon (1871-1945) ليُشير إلى مجموعة من العمليات البيولوجية التي تميل للحفاظ على بعض متغيرات الجسم قرب مستوى الثبات. ولتوضيح هذا المصطلح نتعرض لمفهوم التغذية المرتجعة Feedback الذي يُعد أحد المفاهيم الأساسية في علم السيبرنطيقا Cybernetics (علم الضبط والتحكم) الذي يعني مجموعة من المفاهيم التي تحكم عمل أي منظومة System تتكون من أجزاء مختلفة، وتعمل في ترابط وبعلاقات متبادلة. بحيث تتحكم المنظومة في ذاتها، معتمدة على ما تتبادله أجزاؤها من معلومات تجعل كل جزء فيها يعدل من عمله في ضوء النتائج التي تصل إليها الأجزاء الأخرى أثناء عمل المنظومة التي تهدف في عملها إلى تحقيق هدف معين.
- التغذية المرتجعة لدى الإنسان:-
وإذا ما انتقلنا إلى المجال الحيوي في الإنسان نجد كلاً من الجهاز العصبي والغدي يمثلان جزأين في منظومة تعمل على التحكم الذاتي في العديد من العمليات الحيوية، التي تتم داخل الجسم دون تدخل من الفرد. وتعتمد هذه المنظومة على تبادل المعلومات، أو على عملية التغذية المرتجعة. ونضرب الأمثلة على ذلك فيما يلي:-
1- تنظيم درجة حرارة الجسم:-
من المعروف أن درجة حرارة جسم الإنسان تظل ثابتة تقريباً على الرغم من اختلاف درجة حرارة البيئة المحيطة. وهذا الثبات يتم دون تدخل من الفرد. وتتراوح حرارة الجسم بين 37 درجة مئوية في وسط النهار، وحول 36 درجة مئوية في منتصف الليل. ويعد ثبات درجة الحرارة أمراً ضرورياً بالنسبة للإنسان حتى يظل معدل التفاعلات الكيميائية داخل الخلايا ثابتاً هو الأخر. ومن المعروف أن التفاعلات الكيميائية تزداد بازدياد درجة الحرارة، إلا أن معدلات التغير لا تزيد بنفس الدرجة.
وعلى ذلك تكون هناك ضرورة لثبات درجة حرارة الجسم. فكيف يمكن لنا أن نفسر هذه العملية وفق مفهوم المنظومة الذي ذكرناه آنفاً. تتكون المنظومة المتحكمة في تثبيت درجة حرارة الجسم من أجزاء عديدة، تشمل مستقبلات الحرارة الموجودة على سطح الجلد، ومجموعة الأوعية الدموية المنتشرة في الجسم كله، خلايا عصبية حساسة للحرارة توجد في بعض أنوية الهيبوثلاموس، الجهاز العصبي الذاتي، الغدد العرقية، البنكرياس، وأخيراً العضلات. وتعمل هذه المنظومة في دائرة مغلقة .
وعندما ترتفع درجة حرارة البيئة المحيطة بالفرد، فإن مستقبلات الحرارة الموجودة على سطح الجلد تستقبل هذه الزيادة وتحسها. ثم تنتقل الحرارة إلى الأوعية الدموية السطحية، فالأوعية الدموية العميقة، حتى تصل معلومة ارتفاع درجة حرارة الدم (مدخلات) إلى الخلايا الحساسة للحرارة الموجودة في أنوية الهيبوثلاموس . وهذه الخلايا تأخذ هذه المعلومة لتصدر إشارات (مخرجات) إلى الجهاز العصبي الذاتي، الذي يقوم بتنبيه الغدد العرقية لتقوم بإفراز العرق، كما يؤدي إلى أتساع الأوعية الدموية السطحية، مما يؤدي إلى ترطيب الجسم، وانخفاض درجة حرارة الدم للمستوى الطبيعي الثابت نسبياً. وعند ذلك تنخفض درجة حرارة الدم لتصل هذه المعلومة إلى الهيبوثلاموس مرة أخرى فيتوقف عن تنبيه الجهاز العصبي الذاتي، وبالتالي يتوقف تنبيه الغدد العرقية، فيتوقف إفراز العرق، وهكذا تستمر هذه العملية.
أما في حالة انخفاض درجة حرارة البيئة المحيطة، فإن هذه المعلومة تأخذ مسارها داخل المنظومة، ولكن بدلاً من أن تصدر الأوامر إلى الغدد العرقية، نجدها صدرت إلى كل من العضلات، والبنكرياس. وفي هذه الحالة تنقبض الأوعية الدموية السطحية لمنع المزيد من تسرب حرارة الجسم (وفق القانون الفيزيقي الذي ينص على انتقال الحرارة من الجسم الأكثر سخونة إلى الجسم الأكثر برودة). كما تقوم العضلات بعمل إرتعاشات واختلاجات تعمل على توليد الطاقة، وتتناسب حدة هذه الإرتجافات مع حدة انخفاض درجة الحرارة. أما البنكرياس فيقوم بإفراز الإنسولين الذي يعمل على حرق كمية من السكر الموجود في الدم لتوليد قدر من الطاقة يُعوِض به ما فقده الجسم من حرارة. وبعد أن تتعدل درجة حرارة البيئة تصل المعلومة إلى الهيبوثلاموس، الذي يتوقف عن إصدار الأوامر إلى الأجزاء السابق تشغيلها ، .... وهكذا. وكما هو واضح في العمليتين السابقتين نجد التغذية المرتجعة تلعب دوراً كبيراً في عملية تبادل المعلومات بين أجزاء المنظومة، بما يحقق في النهاية هدفاً واحداً هو الحفاظ على درجة حرارة الجسم.
ومن الأمور الهامة التي يجب أن نذكرها هنا أن إصابة الهيبوثلاموس في المنطقة الخاصة بتنظيم درجة حرارة الجسم، يؤدي إلى اضطراب هذه العملية، وترتفع درجة حرارة الفرد حتى لو كانت درجة حرارة البيئة ثابتة. وقد تصل إلى معدل مرتفع جداً يودي بحياة المريض.
2- تنظيم مستوى السكر في الدم:-
إن ما حدث في تنظيم درجة حرارة الجسم يمكن أن نتصوره بنفس الطريقة في تنظيم مستوى السكر في الدم، مع اختلاف في بعض أجزاء المنظومة. حيث تدخلها الغدة الكظرية أيضاً، وتعمل على إفراز الأدرينالين الذي يقوم -بالإضافة إلى هرمون الجلوكاجون االذي يفرزه البنكرياس- بتحويل الجليكوجين المختزن في الكبد إلى جلوكوز يزيد من مستوى السكر في الدم، في حالات انخفاض السكر. أما في حالات زيادة مستوى السكر في الدم يقوم البنكرياس بإفراز الإنسولين الذي يعمل على أكسدة الجلوكوز، وتحويل بعضه إلى جليكوجين فتتنبه خلايا الكبد لتخزينه. ويهذه الطريقة يظل مستوى السكر ثابتاً في الدم، وهو الأمر الذي يعد ضرورياً لعمل الجهاز العصبي على نحو سليم.
3- تنظيم كمية الماء في الجسم:-
من المعروف أن الماء يعد عنصراً هاماً بالنسبة للكائن الحي على وجه العموم. فمنه تكون الحياة، وبدونه تنعدم الحياة. ويحتوي جسم الإنسان على 60% من وزنه ماء. وهذا الماء موزع داخل الخلايا (43%) وفي الدورة الدموية (8%) وبين الأنسجة والأعضاء (49%). والإنسان يتناول كميات من المياه تختلف وطبيعة الطقس الذي يعيش فيه، ونوعية الطعام الذي يتناوله. فنحن في فصل الصيف نتناول كميات كبيرة من المياه، مقارنة بما نتناوله في فصل الشتاء. كما أننا نشرب كميات كبيرة أيضاً في حالة تناولنا لطعام مُملح بشكل زائد. وتتراوح كمية المياه التي يشربها الإنسان في اليوم الواحد ما بين 2-3 لترات. وهذه الكمية لا يتم تناولها اعتباطا، وإنما يتوقف الأمر على ما يحتاجه الجسم من مياه ضرورية لحياة الخلايا. وهناك نوع من الاتزان بين كمية الماء التي يتناولها الفرد، والكمية التي يفرزها، سواء عن طريق البول أو عن طريق العرق أو في هواء الزفير. وكلنا يعرف حالات الجفاف التي تصيب الأطفال نتيجة الإصابة بالقيء والإسهال اللذين يؤديان إلى نقص كمية الماء قي الجسم، مما يتطلب سرعة تعويض هذا الفقد عن طريق المحاليل، وإلا تعرض الجسم لخطر الغيبوبة أو الموت. ويحدث ذلك عادة إذا ما فقد الإنسان ما بين 10-20% من كمية الماء بالجسم.
وشرب الماء وتناوله يعتمد على وجود مركز للعطش يوجد في الهيبوثلاموس. وخلايا هذا المركز حساسة لكمية الماء الموجودة بالدم المار بها، فإذا نقصت هذه الكمية سرعان ما يعمل الجسم على تنظيم ما يحتويه من ماء عن طريقين: الأول ترسل خلايا مركز العطش إشارات كيميائية للجهاز العصبي الذاتي تعمل على جفاف الحلق، فيندفع الفرد لتناول الماء نتيجة هذا الإحساس، مما يعوضه ما نقص من مياه جسمه. والطريق الثاني يتم في نفس الوقت حيث يرسل مركز العطش إشارات إلى الغدة النخامية لتفرز هرمون الفازوبرسين أو الهرمون المضاد لإدرار البول، ليمنع الكليتين من إفراز المزيد من البول. وبالطبع كلما زاد إفراز العرق في الصيف كلما شربنا كميات أكبر من الماء، بينما يقل هذا الإفراز في الشتاء، ويقل تناولنا للماء أيضاً.
4- تنظيم الدفعة العصبية:-
عندما يكون من المطلوب تحريك عضلة إرادية ما، تخرج الإشارات الحركية من المنطقة الحركية بالفص الجبهي بالمخ، لتسير في الحبل الشوكي، ثم يحملها بعد ذلك العصب الحركي المحرك لهذه العضلة. وهذه العملية تتم بشكل سلس دون اندفاع أو اضطراب، فكيف يحدث ذلك؟.
يوجد داخل الحبل الشوكي تركيب عصبي يطلق عليه حلقة رينشو Renchaw cell . فقبل خروج العصب المحرك لعضلة ما من الحبل الشوكي، يخرج منه فرع ينتهي بتشابك مع سلسلة من الخلايا العصبية التي تتشابك مع خلية محركة لنفس العضلة أو لعضلة أخرى مساعدة لتكفها عن النشاط. ومن ثم ينتظم معدل إطلاق الإشارات العصبية في العصب المحرك بحيث تكون الحركة متدرجة وسلسة، وبدون تبذير في الطاقة العصبية.
والحقيقة أن الأمثلة التي توضح الاتزان الداخلي كثيرة، منها تنظيم ضغط الدم، وتنظيم كمية الهرمونات... إلخ. وكل هذه العمليات تهدف إلى تحقيق درجة من الثبات الداخلي تسمح للعمليات الحيوية بالانتظام، حتى لا تتعرض حياة الكائن الحي للخطر. فارتفاع مستوى السكر في الدم بدرجة كبيرة قد يسبب الغيبوبة، بل والموت أحياناً. كما أن ارتفاع ضغط الدم بصورة كبيرة قد يؤدي إلى نزيف بالمخ يدفع الفرد حياته ثمناً له.
مستويات الاتزان البيولوجي
لا تتوقف عملية الاتزان البيولوجي على جزء معين من جسم الإنسان، ولكن تكاد تعمل جميع الخلايا حتى تُحقق لنفسها قدراً من الثبات الداخلي يساعدها على القيام بوظائفها. ومجموع عمل الخلايا إنما يمثل عمل عضو بعينه يعمل في انتظام. وهذا العضو لا يعمل إلا بالتكامل مع أعضاء أخرى، تكون فيما بينها جهازاً. وهذه الأجهزة في مجملها إنما تكون وحدة الكائن الحي. وإذا انتظمت هذه الأجهزة في عملها أدى ذلك إلى حالة من الثبات الداخلي للكائن كوحدة كلية متكاملة.
وهناك مستويات مختلفة من التنظيم البيولوجي أو الحيوي، يمكن أن نقسمها إلى المستويات التالية:-
1- مستوى الخلية.
2- مستوى الغدد الصماء.
3- مستوى الغدة النخامية.
4- مستوى الهيبوثلاموس.
5- مستوى الجهاز العصبي المركزي.
وقبل أن نتناول عمليات الاتزان على هذه المستويات نود أن نشير أولاً إلى أن كل مستو من هذه المستويات لا يعمل بمفرده، أو في معزل عن بقية المستويات. كما أن هذا التقسيم إنما هو تقسيم تعسفي المراد منه محاولة الفهم الجزئي لكل مستو. أما الواقع فغير ذلك إذ أن هذه المستويات إنما ترتبط فيما بينها بمجموعة من دوائر الارتباط المنظمة لعملها. وتسمى هذه الدوائر بمنظومة التغذية المرتجعة التي أشرنا إليها من قبل، والتي تنظم العمل -وفق ما لديها من معلومات- بين هذه المستويات جميعاً. فالهيبوثلاموس على سبيل المثال يرتبط بالغدة النخامية، والجهاز العصبي يرتبط بالغدة النخامية من ناحية والهيبوثلاموس من ناحية أخرى. والغدة النخامية تتصل ببقية الغدد عن طريق الهرمونات المنشطة لهذه الغدد، والغدد تؤثر في عمل الخلايا عن طريق هرموناتها. ويعني هذا أن هناك نوعاً من التدرج في تنظيم الكائن الحي لوظائفه، بدءً من الخلية وانتهاء بالجهاز العصبي المركزي، والعكس صحيح.
1- الاتزان على مستوى الخلية:-
أن كل خلية في جسم الإنسان تكاد تكون عالماً فريداً قائماً يذاته. وداخل هذه الخلية تحدث أنشطة بيوكيميائية مختلفة وعديدة تمكن الخلية من الحفاظ على نفسها. وكل خلية تقوم بدورها بكل دقة ليتشكل من مجموع نشاطاتها النشاط العام للكائن الحي. وتملك الخلية برنامجها الخاص بعملياتها الكيميائية وتفاعلاتها المختلفة. وهذا البرنامج عبارة عن المعلومات الوراثية الكامنة لدى الكائن والموجودة في جزيئات حمض الدنا، الموجود داخل نواة الخلية.
والنشاط الخلوي داخل الخلية يكاد يتأثر بكل ما يصل إلى غشاء الخلية من مثيرات. ومع ذلك فالخلية لا تستجيب إلا للتنبيهات التي تحتاجها. وكما هو معروف فالدم يحمل العديد من المواد الكيميائية التي تنتشر عبر أجزاء الجسم. ومع ذلك فإن هذه المواد يؤثر بعضها في خلية بعينها، ولا يؤثر في خلية أخرى. ولمزيد من الدقة نقول أن خلايا بعينها هي التي تستجيب لمواد بعينها دون أن تتأثر بها باقي الخلايا. ولذلك فإن غشاء الخلية يقف كحارس أمين يمنع أو يسمح بدخول مواد دون غيرها إلى داخل الخلية، حيث يستجيب لها السيتوبلازم، ويبدأ تفاعلاته معها. بالإضافة إلى ذلك توجد منظمات أخرى داخل الخلية تعمل هي الأخرى على تحقيق توازنها.
2- الاتزان على مستوى الغدد الصماء:-
تفرز الغدد الصماء هرموناتها المختلفة التي تعمل على تنظيم التمثيل الغذائي للخلية، التي تكون حساسة لهذا النوع أو ذاك من الهرمونات. ووظيفة الهرمونات الحفاظ على ثبات البيئة الداخلية للجسم. فتركيز الصوديوم والبوتاسيوم يتم التحكم فيه عن طريق الغدة الكظرية. ومستوى السكر ينظمه البنكرياس، وتنظيم مستوى الكالسيوم يتم عن طريق الغدد الجاردرقية، وهكذا.
وعلى الرغم من تعدد الغدد الصماء الطرفية -أي الموجودة خارج المخ- إلا أن عملها لا يتم بشكل متكامل إلا من خلال الغدة النخامية التي يحدث عندها المستوى الثالث من الاتزان البيولوجي. ومستوى هرمون أي غدة في الدم إنما ينتظم وفق ما يصل هذه الغدة من تنبيه عن طريق الغدة النخامية، إذ أنه في حالة نقص مستوى الهرمون عن الحد المطلوب تصل هذه المعلومة إلى الغدة النخامية التي تقوم بدورها بإفراز الهرمون المنشط لهذه الغدة فتبدأ في الإفراز، ومن ثم يزيد مستوى هرمونها في الدم. وبعد وصوله إلى الحد المطلوب تصل المعلومة مرة أخرى إلى الغدة النخامية فتكف عن إفراز الهرمون المنشط للتوقف الغدة عن إفراز هرمونها ... وهكذا.
3- الاتزان على مستوى الغدة النخامية:-
ترتبط الغدد الطرفية بالغدة النخامية عن طريق مجموعة من المنظمات الهرمونية التي تفرزها، وتسمى بالعوامل المطلقة Releasing factors التي تحفز هذه الغدد لإطلاق هرموناتها. ومن المعروف أن كل هرمون يكون متخصصاً في تنظيم عمل غدة بعينها، ويصل إليها عن طريق الدم.
وعلى الرغم من أهمية الغدة النخامية وسيطرتها على تنظيم عمل بقية الغدد، إلا أنها غدة عمياء Blind gland بمعنى أنها لا تستطيع أن ترى ما يحدث في العالم الخارجي، ولا علاقة لها به بشكل مباشر. فهي لا تستقبل إلا التغيرات أو الإشارات الخاصة بما يحدث داخل الجسم. فكيف تقوم هذه الغدة بدورها كاستجابة للمثيرات الخارجية التي لا تعلم عنها أي شيئ؟.
إن الكائن الحي عليه أن يتعلم كيفية التكيف مع المثيرات الخارجية حتى لا تُحدث اضطرابا في نشاطه الداخلي. إن كل ما نعلمه عن العالم الخارجي يأتي إلينا عن طريق الحواس (اللمس، الشم، البصر، السمع، التذوق). وهذه الحواس تنقل ما وصلها من معلومات إلى الجهاز العصبي المركزي، لإصدار الأوامر التي تمكننا من التعامل مع ما يحدث في العالم الخارجي. فمستقبلات البرودة الموجودة على سطح الجلد تسجل الانخفاض الشديد في درجة حرارة البيئة المحيطة. وهذا التسجيل لا يمنع تجمد الفرد من جراء هذا الانخفاض إلا إذا كان هناك منظم آخر عليه أن يتعامل مع هذا الانخفاض، حتى لا يتجمد الفرد وتتعرض حياته للخطر. ويعني هذا ضرورة وصول هذه المعلومة الخاصة بدرجة الحرارة إلى الأعضاء التي يمكنها زيادة إنتاج الحرارة والطاقة في الجسم. ويعد الهيبوثلاموس هو ذلك المنظم الذي يقوم بنقل المعلومات المستقبلة من العالم الخارجي إلى الأعضاء المطلوب منها أن تعمل لتحقيق هدف زيادة الطاقة. ومن هنا يصبح الهيبوثلاموس المستوى الرابع من مستويات الاتزان البيولوجي.
4- الاتزان على مستوى الهيبوثلاموس:-
علينا أن نتذكر دائماً هذه الكلمة المعقدة التركيب -هيبوثلاموس- فهي تشير إلى جزء هام في الجهاز العصبي، أنعم الله به على الإنسان ليحفظ له مستو ثابتاً من الاتزان. وخلايا الهيبوثلاموس تتصل بالعديد من أجزاء الجهاز العصبي عن طريق شبكة ممتدة من الخيوط والألياف العصبية. ولذلك فإن أي معلومة تصل إلى الجهاز العصبي عن البيئة الداخلية أو الخارجية يتم نقلها بسرعة إلى الهيبوثلاموس، ليقوم بدوره بعد ذلك في إرسال إشاراته للأعضاء المتخصصة لتقوم بالتعامل مع هذه المعلومات، وتحقق التكيف والثبات البيولوجي للفرد. وعلى الرغم من أن الهيبوثلاموس يتكون من خلايا عصبية، وينتمي للجهاز العصبي، إلا أن هناك وظيفة أخرى له تمكننا من اعتباره غدة صماء تفرز هرمونات معينة. وهذه الهرمونات تنظم عمل الغدة النخامية، التي تقوم بعد ذلك بتنظيم بقية الغدد. ومن المعروف أن الهرمونات المنشطة التي تفرزها الغدة النخامية يفرزها في الواقع الهيبوثلاموس، وتقوم الغدة النخامية بتخزينها لحين الحاجة إليها. ومن ثم فإنه يطلق على هذه الهرمونات المواد الهيبوثلاموسية المطلقة. ولذلك يعتبر الهيبوثلاموس حلقة الوصل أو الاتصال بين العالمين الخارجي والداخلي للإنسان. بل إنه يستطيع أيضاً أن يؤثر بشكل مباشر على أجهزة بعينها عن طريق تحكمه في الجهاز العصبي الذاتي، الذي ينظم عمل الوظائف الحشوية. وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يستطيع تنظيم كافة العمليات الحيوية بمفرده، وإنما بالتعاون مع الغدة النخامية.
وقد يبدو لنا أن الهيبوثلاموس هو المنظم الحقيقي للعمليات الحيوية -وهذا هو الواقع- فما الضرورة إذن للغدة النخامية؟. إن وجود هذه الغدة يعد أمراً ضرورياً لأن العمليات البيولوجية التي تتم داخل الجسم كثيرة، وتتسم بالتعقيد. ويمثل هذا الوضع عبئاً ثقيلاً على الهيبوثلاموس، يجعله لا يستطيع القيام بها على النحو الأمثل. ومن ثم فإن وجود الغدة النخامية يسهل عليه العمل، الذي يصبح والحال كذلك مجرد إرسال الأوامر إلى الغدة لتتولى هي بدورها تنظيم بقية الغدد، ومن ثم تنظيم العمليات الحيوية كلها. وهذا الوضع يسمح للهيبوثلاموس بالتفرغ لاستقبال معلومات أخرى بدلاً من انشغاله بتنظيم العمل وحده. وعلى ذلك يخلق وجود الغدة النخامية حالة مناسبة جداً وذات درجة عالية من الكفاءة، تجعل عمليات التنظيم الحيوي تتم بشكل جيد ويسير.
وكى نتفهم طبيعة العمل المتبادل وذلك التنظيم العالي الدقة بين كل من الهيبوثلاموس والغدة النخامية وبقية الغدد، دعنا نتعرف على هذه المسألة من وجهة نظر السيبرنطيقا، حيث يوجد داخل الجسم ثرموستات منظم يعمل عن طريق ما يسمى بالتغذية المرتجعة السالبة Negative feedback.
1. عندما يكون مستوى هرمونات الغدة (A) ثابتاً ومستقراً، فإن الغدة (B) لا تستجيب بأي نشاط، ذلك لأن مستقبلاتها في حالة تشبع بهذا الهرمون.
2. عندما يزيد مستوى هرمون الغدة (A1) تصل هذه المعلومة إلى الغدة (B) فيعمل على كفها، مما يقلل من مستوى الهرمون (B1)، الذي يقلل بدوره نشاط الغدة (A) حتى لا يزيد مستوى هرمونها عن الحد المطلوب.
3. عندما ينقص مستوى هرمون الغدة (A2) تصل هذه المعلومة إلى الغدة (B) فتتأثر مستقبلاتها بهذا النقص، فتنشط في إفراز الهرمون (B2) الذي يزيد مستواه في الدم، وينشط بدوره الغدة العاملة، لتقوم بزيادة إفرازاتها، ومن ثم يرتفع مستوى هرمونها في الدم مرة أخرى.
وتستمر هذه العملية من تبادل المعلومات بين الغدتين بزيادة أو نقصان هرمون الغدة العاملة، وتعديل نشاطها وفقاً لهذه المعلومات عن طريق الغدة المنظمة. ويقوم الهيبوثلاموس بتنظيم عملية التغذية المرتجعة بين الغدتين، بحيث يحقق في النهاية قانون الثبات Law of constancy للبيئة الداخلية.
5- الاتزان على مستوى الجهاز العصبي المركزي:-
يقوم الجهاز العصبي المركزي -بما في ذلك القشرة المخية- بأداء المستوى الخامس من التنظيم الحيوي. فالتغيرات المستمرة في البيئة الخارجية تتطلب تكيفاً مستمراً لوظائف الجسم، بما يتناسب مع هذه التغيرات. فالإشارات التي تصل من معظم أجزاء المخ تؤثر في عمل الهيبوثلاموس. كما أن نشاط الهيبوثلاموس يتأثر في نفس الوقت بالأجزاء الأخرى من الجهاز العصبي. كما يقوم الجسم الصنوبري Pineal body الموجود في المخ، بتنظيم عمل الهيبوثلاموس بما يعدل من حساسيته للهرمونات. وهذا الجسم يُعرف الآن بالغدة الصنوبرية التي تفرز هرمون الميلاتونين Melatonine الذي أحدث في الآونة الأخيرة الكثير من الجدل حول أهميته في زيادة كفاءة الجسم.
إن الإشارات المتحركة بين الأجزاء المختلفة من المخ تصل أولاً إلى الهيبوثلاموس، الذي يقوم بتنقيتها ثم يرسل المعلومات والإشارات الهامة منها إلى بقية أجزاء الجسم، في صورة إشارات هيبوثلاموسية. وعلى ذلك فإن الجهاز العصبي لا يعمل بمعزل عن الهيبوثلاموس، وإنما في تكامل مستمر.
وفي الظروف العادية تتم داخلنا العديد من الوظائف التي يتم تنظيمها بشكل آلي ومستمر ومنتظم. والجهاز العصبي يكون مشغولاً بما يحدث من تغيرات في أعضاء الإحساس المختلفة، نتيجة التغيرات التي تطرأ على العالم الخارجي. وهذا الانشغال يجعل الجهاز العصبي غير قادر على التدخل في الوظائف التي تتم داخلياً وفق قوانينها الخاصة. ولذلك فإن هذا الجهاز يعد غير ضروري لبعض الوظائف الداخلية. فنزع القشرة المخية على سبيل المثال من مخ فأر لا يؤثر مطلقاً على القدرة التناسلية والإنجابية له. بينما تؤدي اضطراب أو إزالة جزء من الهيبوثلاموس إلى العديد من المشاكل. ويعني هذا أن الهيبوثلاموس هو المنظم الأساسي للقدرة التناسلية. ويتحقق نفس المعنى لبقية الوظائف التي ينظمها الهيبوثلاموس، ولا دخل للجهاز العصبي بها كالنوم والانفعالات، والشهية للطعام، وتنظيم درجة حرارة الجسم، وتنظيم مستوى السكر في الدم ... الخ. ولا توجد وظيفة داخل جسم الإنسان لا تحتاج إلى مشاركة هذا الجزء من الجهاز العصبي، ونعني به الهيبوثلاموس.
وأخيراً فإنه إذا كانت عملية التغذية المرتجعة التي تحكم العمليات الحيوية على المستويات الخمسة التي ذكرناها، إنما تتم وفق التغذية السالبة، فهذا يعني أن هناك نوعاً آخر هو التغذية المرتجعة الموجبة Positive feedback. ومع ذلك فإن الجسم لا يستخدمها لأنها ببساطة بدلاً من أن تؤدي إلى تنظيم وتحقيق الثبات الداخلي، وبالتالي الاستمرار في الحياة، نجدها تؤدي إلى الموت. فكيف يحدث ذلك؟. إن التغذية المرتجعة الموجبة تخلق حلقة مفرغة من الآثار المترتبة على مثير واحد، إنها تسير في اتجاه واحد وليس اتجاهاً دائرياً.
ولنضرب مثالاً توضيحياً لهذه التغذية. لو أن أحد الأشخاص نزف كمية كبيرة من الدم (2 لتر أو أكثر)، فإن هذا النزف -وفقاً للتغذية المرتجعة الموجبة- يؤدي إلى نقص كمية الدم في الجسم، وبالتالي تنقص كمية الدم المتاحة للقلب لضخها، ومن ثم ينخفض ضغط الدم. وينتج عن هذا الانخفاض نقص كمية الدم المغذية لعضلة القلب، مما يؤدي إلى ضعف هذه العضلة بشكل متزايد، فلا تستطيع أن تضخ كمية الدم المطلوبة للأعضاء للقيام بوظائفها. وهكذا تستمر هذه العملية في دائرة مفرغة تنتهي بالموت.
أما في التغذية المرتجعة السالبة -وهي التي تحاول استعادة التوازن- فإن نزف الدم ونقص كميته يؤدي إلى تنظيم ضربات القلب وضغط الدم، وأتساع الأوعية الدموية. وكل هذه الوظائف تسعى للحفاظ على ما تبقى من دم داخل الجسم، حتى تستطيع بقية الأعضاء القيام بوظائفها. إنها تحاول تقليل نسبة الفاقد من الدم، أي تحاول الحفاظ على حياة الكائن. وبالطبع فإن هناك حدوداً لهذه العملية تتوقف على مدي ما يفقده الجسم من الدم. وإذا ما تعدت هذه الكمية نطاق قدرة الجسم على الحفاظ على أدائه، فإن النتيجة تكون الموت أيضاً.
الضغوط وسوء التعويض البيولوجي
لقد تناولنا كيفية حدوث الثبات والاتزان البيولوجى الذي يضمن استمرار العمليات الحيوية بشكل جيد. فإننا نجد من الضرورة بمكان أن نتناول العمليات التي تنتج إذا ما فشل الجسم في تنظيم عملياته على المستوى الطبيعي. ويتم ذلك من خلال تعرضه للمثيرات بشكل مستمر يقلل من كفاءته، ومن ثم تظهر عليه مظاهر الاضطراب. وهذه المثيرات تمثل بالنسبة للكائن الحي ضغوطاً تميل لتغيير الاتزان نظراً لاستمرارها فترة طويلة.
والحقيقة أن علاقة البيولوجيا بالضغوط علاقة تحتم علينا أن نتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل، لنتعرف على ردود أفعال الكائن الحي عند تعرضه لهذه الضغوط، وما يمكن أن تلحقه من آثار بأجهزة الجسم. ومن ثم نعرض في الجزء الباقي من هذا الفصل لموضوع الضغوط باعتبارها مشكلة من مشاكل التوافق أو مشاكل الاتزان.
أولاً- الضغوط (مصادرها وأنواعها)
قبل أن تناول مظاهر اضطراب التوازن البيولوجي في علاقته بالضغوط، نلقي بعض الضوء على ما يتعلق بهذه الضغوط من مستويات، ومصادر وأنواع، وكيفية الاستجابة لها، والمباديء التي تحكم هذه الاستجابة.
- تعريف الضغوط:-
ويشير مصطلح الضغوط Stressors إلى وجود عوامل ضاغطة خارجية أو داخلية تحدث لدى الفرد إحساساً بالتوتر. وعندما تزداد شدة هذه الضغوط قد يفقد الفرد قدرته على الاتزان، ويُغير من نمط سلوكه.
- مستويات الضغوط:-
ويمكن أن نتناول الضغوط على ثلاث مستويات هي:-
1. المستوى البيولوجي: والذي يتمثل في إصابة الجسم بالميكروبات أو الفيروسات مثلاً، ويقوم جهاز المناعة في الجسم بالتصدي لها، في محاولة لتجنب الفرد ما تحدثه هذه الميكروبات من اختلال في العمليات الحيوية.
2. المستوى النفسي: الذي يتمثل فيما نتعرض له من إحباطات، وصراعات على اختلاف أنواعها ومصادرها.
3. المستوى الاجتماعي: ويتمثل في القيود الاجتماعية، والأعراف والعادات، والتقاليد التي تحد من نشاط الفرد.
- مصادر الضغوط:-
تنشأ الضغوط التي يتعرض لها الفرد من مصادر عديدة يمكن تلخيصها فيما يلي:-
1. الإحباط: Frustration وينشأ الإحباط عندما توجد إعاقة تمنعنا من تحقيق هدافنا، أو عندما يكون هذا الهدف غير واضح، أو غائباً. ومصادر الإحباط قد تكون داخلية أو خارجية. أما المصادر الداخلية فتشير إلى أسباب موجودة في الفرد وتمنعه من تحقيق أهدافه. وتتمثل هذه الأسباب في وجود إعاقة بدنية مثلا، أو نقص القدرات، أو التعب الجسمي كما يحدث في الإصابة بالمرض، أو وجود نسق قيمي Value system يمنعه من انتهاك المعايير الاجتماعية والأخلاقية نتيجة الشعور بالذنب. أما الأسباب الخارجية فتعني الأسباب البيئية التي تحد من تحقيق الهدف. وتتمثل هذه الأسباب في التعرض لظروف فيزيقية كارتفاع درجة الحرارة بصورة شديدة، أو التعرض للحرائق أو الزلازل أو العواصف. كما تشمل التعرض لظروف اجتماعية كالقيود والقوانين التي يضعها المجتمع على سلوك الفرد، وتعرضه للعقاب إذا ما كسر هذه القوانين. ولذلك فمن الضروري أن تكون أهدافنا مقبولة اجتماعيا، كما يكون تحقيقها مقبول اجتماعيا أيضاً.
2. الصراعات: Conflicts ويعني وجود تعارض بين دافعين أو حاجتين أو أكثر. وله أنواع عديدة لا مجال لذكرها في هذا المقام.
3. الضغوط: Pressures وقد تنشأ هذه الضغوط من مصادر داخلية كالرغبة في تحقيق مستو اجتماعي مرموق. أو من مصادر خارجية تنشأ من متطلبات البيئة كالحاجة للمال من أجل تحقيق أهداف معينة، أو ما يمثله التعليم أو المهنة من مسئوليات.
- شدة الضغوط:-
هناك مجموعة من المحددات التي تحدد مدى شدة الضغط الذي نتعرض له، بمعنى أنه ليس من الضروري أن يكون كل من نتعرض له من ضغوط بنفس التأثير على شخصية الفرد. وتشمل هذه المحددات عوامل ذاتية وعوامل موضوعية. أما الأولى فتتمثل في مدى تقييم الفرد للمشكلة التي يتعرض لها، إذ أن الفرد لا يتعامل مع الموقف الضاغط في حد ذاته، وإنما يتعامل مع تقييمه لهذا الموقف. فقد يتعرض فردان لمشكلة واحدة فيعتبرها أحدهما مشكلة المشاكل ويعاني منها بصورة شديدة، بينما يراها الآخر أمراً بسيطاً لا يستوجب الاهتمام. كما تشمل العوامل الذاتية قدرة الفرد على تحمل الإحباط، فكلما زادت هذه القدرة كلما قل الإحساس بالضغط، والعكس صحيح.
أما العوامل الموضوعية المحددة لشدة الضغط فتشمل ما يلي:-
1. مدة التعرض للضغط، فكلما زادت هذه المدة كلما كان الإحساس بالضغط شديداً، ولذلك فإن الضغوط لها تأثير تراكمي يفجر في النهاية أساليب غير توافقية.
2. تعدد المطالب أو تعدد الضغوط. فالتعامل مع ضغط واحد يكون أكثر كفاءة منه إذا تعددت هذه الضغوط. فالشخص المصاب بالقلب، وفقد وظيفته، وماتت زوجته بالضرورة يشعر بوطأة الضغط أكثر مما إذا كان يعاني من مشكلة واحدة فقط.
3. أهمية الحاجات التي يريد الفرد تحقيقها. فكلما فشل الفرد في تحقيق حاجة ذات أهمية خاصة له، كلما شعر بشدة الضغط أكثر مما لو كانت هذه الحاجة ليست هامة، أو يمكن التنازل عنها.
4. قوة القوى المتصارعة. فكلما قل الصراع كلما قل الإحساس بالضغط، والعكس صحيح.
ويرتبط الضغط بالتهديد Threat بمعنى أن المواقف الضاغطة التي تمثل تهديداً للفرد يكون أكثر تأثيراً عليه. وكثير من المواقف الضاغطة لا تمتل تهديداً للكائن الحي على أي مستوى. فنزلات البرد تعتبر ضغطاً بيولوجياً، ومع ذلك فهي لا تمثل تهديداً لحياة الفرد كما تمثله الإصابة بالالتهاب الرئوي مثلاً، أو الإصابة بالسرطان. كذلك لا تمثل عزلة الفرد المؤقتة نتيجة إصابته بمرض مُعدٍ تهديداً له كما تمثله العزلة النفسية. ومن ثم فإن المواقف التي يتم إدراكها على أنها مهددة لحياة الفرد، أو مكانته تكون أكثر شدة من تلك التي يتم إدراكها على أنه يمكن حلها حتى ولو بصعوبة.
- المباديء العامة للاستجابة للضغوط:-
يعتمد الأثر الناتج من التعرض لضغط ما على شدة هذا الضغط. فالضغوط البسيطة قد تساعد على الإنجاز، وزيادة كفاءة الفرد. بينما تؤدي الضغوط الشديدة إلى اضطراب كفاءة وتكامل الكائن الحي. بل إن الضغوط المتزايدة والمستمرة يؤدي في النهاية إلى انهيار الفرد، وعملياته الحيوية. وهناك مجموعة من المباديء العامة تحدد طبيعة الاستجابة للضغوط التي نتعرض لها. وتشمل هذه المباديء ما يلي:-
1- الاستجابات للضغوط كلية. 2- قانون الاستثارة والكف.
3- قانون الاقتصاد في الاستجابة. 4- الاستجابات شعورية أو لاشعورية.
5- الضغوط تستثير الانفعال. 6- التكيف للضغوط غالي الثمن.
1- الاستجابة للضغط تكون كلية:-
يميل الفرد للحفاظ على تكامله على جميع المستويات (البيولوجية، النفسية، الاجتماعية). فعلى المستوى البيولوجي نجد العديد من الاستجابات التي تحدث نتيجة تعرض الفرد لميكروب ما. فالجهاز المناعي يبدأ عمله ليحافظ على الفرد، لأن فشله في القضاء على الميكروب تعني اضطراب العمليات البيولوجية، بل والنفسية أيضاً. وكلنا يعرف ما يسببه فيروس الأنفلونزا (ضغط بيولوجي) من حالات الضيق النفسي والذي قد يبدو في مزاج إكتئابي.
2- قانون الاستثارة والكف:-
توجد على المستوى البيولوجي مجموعة من العمليات العصبية التي تقوم بعمليات الاستثارة Excitation والكف Inhibition. ومن خلال هاتين العمليتين تنشط بعض الأنشطة، ويتوقف البعض الآخر عن العمل، أو يتم كفه. ومن ثم يحدث نوع من التآزر والتناغم الكلي داخل الكائن الحي، كما يتيح ذلك نوعاً من المرونة في التعامل مع الموقف الضاغط. ويتم ذلك من خلال التعصيب المتبادل Reciprocal innervations الذي يوفر نوعين من الاستجابة في آن واحد. فعند مواجهة الموقف الضاغط تنقبض بعض العضلات بينما ينبسط البعض الآخر. أو تنشط الدورة الدموية والقلب، بينما يتعطل عمل الجهاز الهضمي. وقد تتوقف الخلايا عن العمل مؤقتاً عندما يكون التعرض للضغوط شديداً، وذلك لحماية الفرد من الاستثارة الزائدة. وتسمى هذه الحالة من كف النشاط بالكف الواقي أو الحامي Protective inhibition. فبعض الأفراد عند تعرضهم لموقف ضاغط شديد نجدهم يستجيبون له بالإغماء، وهي محاولة من قبِل الجهاز العصبي تحمى الفرد من التعرض لمزيد من الاستثارة.
3- قانون الاقتصاد في الاستجابة:-
يستجيب الفرد للمواقف الضاغطة بطريقة اقتصادية تهدف إلى استهلاك قدر ضئيل من الطاقة. فالجسم يبدأ عادة في الاستجابة بأقل الاستجابات تكلفة من الناحية البيولوجية. فإذا فشلت هذه الاستجابات لجأ إلى الدفاعات الأكثر تكلفة وهكذا. ونفس الأمر فيما يتعلق بالإقتصاد في الاستجابة النفسية فإذا فشل الفرد في تحقيق هدف ما تنازل قليلاً وقلل من مستوى طموحه حتى يحقق ما يريد بشكل متوافق، وإذا فشل بعد ذلك لجأ إلى هدف آخر قد يعوضه عن الهدف الأصلي الذي يسعى إليه. أما في حالة الإحباط لشديد فإنه قد يلجأ إلى استخدام ميكانيزمات الدفاع التي قد تكون بدائية ومبالغاً فيها، وعندها تحدث الاستجابة العصابية، أو قد يصل الأمر في النهاية إلى الاستجابة الذهانية.
4- الاستجابات شعورية أو لاشعورية:-
عند مواجهة الموقف الضاغط فإن الاستجابة له قد تقع على أي نقطة من متصل الشعور-اللاشعور. بمعنى أنها قد تتم بقصد شعوري واضح، أو تتم مصحوبة بدرجة من الوعي، أو تتم بدون وعي على الإطلاق. فعمليات الدفاع البيولوجية كالتئام الجروح، ودفاعات المناعة، وتنظيم درجة الحرارة، تعمل بشكل آلي، دون أدنى وعي أو قصد منا. وقد يقوم الفرد على المستوى البيولوجي بتغيير نمط سلوكه -بوعي وقصد- من أجل التكيف مع متطلبات البيئة وما تفرضه عليه من متغيرات. وكل هذا يهدف في النهاية للحفاظ على الاتزان الحيوي له. وعلى المستوى النفسي قد تكون استجاباتنا شعورية متمثلة في محاولة إزالة مصدر الإحباط مثلاً، أو تكون لاشعورية متمثلة في استخدام ميكانيزمات الدفاع.
5- الضغوط تستثير الانفعال:-
تولد الضغوط على اختلاف أنواعها مجموعة من الانفعالات المختلفة. فالإحباط يستثير الغضب، الذي يتحول إذا ما أستمر الإحباط إلى العدائية. بينما يستثير الإحساس بالخطر والتهديد كلاً من الخوف والقلق. وهذه الاستجابات يصاحبها مجموعة من التغيرات الفسيولوجية التي تساعد الفرد على التعامل مع الضغط ومواجهته. وكلما زادت حدة هذه الانفعالات كلما كانت مصاحباتها الفسيولوجية شديدة، بما يعرض الفرد لاضطراب عملياته الحيوية على نحو قد يهدد حياته.
6- التكيف للضغوط غالي الثمن:
يعتبر التعرض للضغوط من العوامل المسببة لإجهاد الفرد، خاصة إذا ما أستمر لمدة طويلة. فالتعرض المستمر للضغوط يقلل من كفاءة الفرد، وقدرته التكيفية. كما يقلل من مقاومته للضغوط الأخرى. فالضغط النفسي المستمر يقلل من كفاءة الفرد في مواجهة الضغوط البيولوجية (يقلل من مناعته)، والعكس صحيح حيث نجد أنفسنا ونحن في حالة المرض العضوي، غير قادرين على تحمل بعض المشاكل النفسية أو مواجهتها. كذلك يؤدي التعرض المستمر للضغوط إلى تغيرات في أنظمة الفرد العضوية، وتغيرات في كيميائية الدم كزيادة السكر، وارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالنوبات القلبية. ومن شأن هذه التغيرات أن تحدث تغيرات في أنسجة الأعضاء يصعب التخلص منها أو إصلاحها. وتكون النتيجة في النهاية الإصابة بمجموعة من الأمراض تسمى بالأمراض السيكوسوماتية (النفسجسمية) التي تكون ثمناً غالياً يدفعه الشخص نتيجة التعرض المستمر للضغوط. ولذلك تسمى بأمراض التكيف Adaptation diseases. وسنتناولها بالتفصيل بعد قليل.
ثانياً- سوء التعويض البيولوجي
يؤدي التعرض الشديد والمستمر لاضطراب توازن الفرد على المستويات الثلاثة (البيولوجي، والنفسي، والاجتماعي). ويسمى هذا الاختلال في التوازن بسوء التعويض Decompensation. ويعني سوء التعويض أن هناك نقصاً في تكامل الشخصية Personality integration قد حدث ، وهذا النقص عادة ما يكون نتيجة لفشل الدفاعات التي يستخدمها الفرد عند مواجهة الضغوط، سواء كانت دفاعات بيولوجية، أو دفاعات نفسية.
وقد سبق وأشرنا إلى أن هناك العديد من التفاعلات التكيفية التي تتم داخل الكائن الحي، بغرض الحفاظ عليه من آثار المثيرات الداخلية أو الخارجية التي يتعرض لها. ويتطلب هذا الأمر أن يتوفر لهذا الكائن استمرار وجود كفاءة عالية تمكنه من أداء هذا الدور. وعلى المستوى البيولوجي قد يتعرض الفرد للإصابة بميكروب ما، فما الذي يحدث في هذه الحالة؟. يبدأ الجسم عند دخول الميكروب بالتعامل معه كأنه جسم غريب عنه، ودخيل عليه. ولذلك فهو سرعان ما يجهز نظام الأمن والدفاع لديه -جهاز المناعة- ليقوم بتكوين أجسام مضادة للقضاء على العدو الدخيل. فإذا كان هذا الميكروب ضعيفاً واهناً أستطاع الجسم القضاء عليه دون أن يشعر الفرد بأن ثمة اعتداء ميكروبي قد وقع. ويحدث هذا الأمر معنا بشكل يومي إذ أن الهواء الذي نستنشقه، والطعام الذي نأكله مليء بالميكروبات.
أما إذا كان العدو قوياً فإن أولى علامات الإنذار التي يعلنها الجسم لهذا الغزو هي ارتفاع درجة حرارته، التي تشير إلى أن ثمة دخيل قد أعتدي علينا، وأن الجسم في طريقه للقضاء عليه. فهل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟. إذا كان الإنسان يتمتع بجهاز مناعي قوي، فإنه يستطيع في فترة وجيزة أن يتخلص من هذا الميكروب الذي يمثل ضغطاً بيولوجياً يتعرض له الجسم. وسرعان ما تعود درجة حرارة الجسم إلى معدلها الطبيعي، وفي ذلك إشارة إلى استتباب الأمن، وعودة الاتزان إلى الخلايا مرة أخرى.
أما إذا كان الميكروب فتاكاً وشديداً، فإن حرارة الجسم ترتفع بشكل كبير، ويصاحبها أعراض وعلامات مرضية أخرى. ويصاب الفرد بدرجة من الإعياء والإنهاك. وتطول هذه الحالة، بما يؤثر على أداء معظم أجهزة الجسم. وكلما أستمر ارتفاع درجة الحرارة، كلما كان في هذا إشارة إلى أن خطط الدفاع تفشل الخطة تلو الأخرى، مما يحدث خللاً في الخلايا. بل إن هناك أنواعاً معينة من الأمراض لا يستطيع نظام الدفاع في الجسم أن يقاومها أو يتصدى لها، مثل السرطان، أو بعض الفيروسات المدمرة لجهاز المناعة -كمرض الإيدز- وبالتالي تسقط خطوط الدفاع، ويدفع المرء حياته ثمناً لهذا الغزو.
وهذه الحالة الأخيرة من الاضطراب هي ما نطلق عليه سوء التعويض، والذي يعني أن التوازن الذي كان قائماً قد أختل. وهي تشير إلى أن هناك انحرافا لعملية التوازن الداخلي القائم بين العمليات الفسيولوجية من ناحية، والعمليات المرضية من ناحية أخرى. إن المرض بهذا المعنى هو انحراف ثابت عن الثبات، كما أنه انحراف عن التكيف. ولذلك سميت هذه الأمراض بأمراض التكيف.
وقد أشار عالم الفسيولوجيا الشهير هانز سيلي H. Selye إلى العلاقة القائمة بين إفرازات الغدة الكظرية -وخاصة هرمون الكورتيزون- وبين حالات الضغط أو الإنعصاب، وذلك فيما أسماه بزملة أعراض التكيف العام General Adaptation Syndrome التي تظهر نتيجة تأثر الغدد للمواقف الضاغطة. وتعبر زملة الأعراض هذه عن حدوث الضغط، وأنها محاولة للحفاظ على الحياة، وإستعادة التوازن البيولوجي، والتكيف للضغوط. ولكنها بالطبع محاولة مرضية تودي بحياة الفرد ولا تحافظ عليها. وتحدث أعراض هذه الزملة نتيجة نشاط ثلاثة أجزاء هامة من الجهاز العصبي والغدي تمثل فيما بينها محوراً يسمى بمحور الهيبوثلاموس-الغدة النخامية- الغدة الكظرية Hypothalamo Pituitary Adrenal Axis.
وتتلخص نظرية الضغوط لهانز سيلي فى حدوث اضطراب في النظام الهرموني الذي يربط بين الأجزاء الثلاثة السابقة نتيجة التعرض المستمر للضغوط، والذي يؤدي إلى زيادة الدفاعات الهرمونية عن طريق الجهاز العصبي الذاتي. ويرى سيلي أن هذا الاضطراب هو المسئول عن الكثير من الأمراض النفسجسمية (السيكوسوماتية) التي تنشأ نتيجة التوتر والضغط المستمرين.
وتتم زملة أعراض التكيف العام من خلال ثلاثة مراحل هي:-
1- مرحلة استجابة الإنذارstage Alarm Reaction.
2- مرحلة المقاومة Resistance stage.
3- مرحلة الإنهاك Exhaustion stage.
1- مرحلة استجابة الإنذار:-
في هذه المرحلة يستدعي الجسم كل قواه الدفاعية لمواجهة الخطر المفاجيء الذي يتعرض له، والمتثل في الضغوط. فيتم تنبيه الشق السيمبثاوي من الجهاز العصبي الذاتي، لتحفيز الجسم عن طريق هرمون الأدرينالين لاستعداد ومواجهة الموقف. ويحدث نتيجة ذلك ظهور بعض التغيرات الفسيولوجية كارتفاع نسبة السكر في الدم، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة عمل القلب ...إلخ.
2- مرحلة المقاومة:-
إذا أنتهي الموقف الضاغط الذي يتعرض له الإنسان، فإنه سرعان ما تعود التغيرات التي حدثت في المرحلة الأولى إلى سيرتها الطبيعية، وينتهي الأمر. أما إذا أستمر هذا الموقف فإن الهيبوثلاموس -منظم السلوك الانفعالي- يحفز الغدة النخامية لإفراز الهرمونات المنشطة لبقية الغدد لتساهم في عمليات الدفاع، وتهيئة الاستجابة التكيفية المناسبة. وأكثر ما تفرزه هو الهرمون المحفز لنشاط قشرة الغدة الكظرية Adreno Cortico Trophic Hormon والمعروف اختصارا بـ A.C.T.H. وهذا الهرمون يحفز قشرة الغدة الكظرية لإفراز هرمونين هامين هما الكورتيزون Cortisone والكورتيزول Cortisol. ويعمل هذان الهرمونان على تعبئة الجسم بشكل أكبر لمقاومة الضغط الواقع عليه. ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد نظراً لأن زيادة الإفراز تستمر مع استمرار الموقف الضاغط. ومثل هذه الزيادة من شأنها أن تؤدي إلى اضطراب التوازن الداخلي، الذي يؤدي إلى مزيد من الإضطرابات الهرمونية التي تجهد الجسم نتيجة استمراره في حالة من التحفز والاستعداد الدائم، وهذا الإجهاد ينتج عنه إصابة الجسم بمجموعة من الأعراض الجسمية. ولذلك فإن مرحلة المقاومة تعتبر مرحلة هامة في تكوين الأعراض السيكوسوماتية، التي تنتج عندما تعجز قدرة الفرد على مواجهة المواقف عن طريق رد فعل تكيفي كاف.
3- مرحلة الإنهاك:-
إذا أنتهي الموقف الضاغط بعض ظهور الأعراض السيكوسوماتية، فإن الجسم يظل في هذه الحالة من التكيف المرضي، ويحاول من آن لآخر أن يستعيد اتزانه بالتعامل من هذه الأعراض عن طريق العلاج. ولكن إذا ما أستمر الموقف الضاغط بعد ذلك ولمدة أطول، يصل الفرد إلى نقطة يعجز فيها الجسم عن الاستمرار في المقاومة، ويدخل مرحلة الإنهاك، ويصبح عاجزاً عن التكيف بشكل عام. وفي هذه المرحلة الأخيرة تنهار كل الدفاعات الهرمونية، وتضطرب الغدد، وتنقص مقاومة الجسم نتيجة استمرار إفراز الكورتيزون، وتصاب معظم أجهزته بالعطب، ويسير نحو الموت بخطي سريعة.
إذن فالأمر يتوقف على العديد من الاستجابات التكيفية ا


تاريخ التسجيل : 01/01/1970

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى