حكيم و مريض

احتار أحد الأشخاص من مرضه ، لا سيما أن جميع أطباء منطقته لم

يعرفوا دواءه ، وأخيراً نصحه كثيرون أن يتجه شمالاً إلى طبيب طالت شهرته الأرض كلها واسمه (الحكيم) ، ولرغبته في الشفاء حزم أمره وحقائبه قاصداً ذاك الحكيم ،
وبعد مسيرة سبعة أيام وست ليال وصل إلى المكان المنشود ، فوجد خيمة صغيرة يخرج منها طابور طويل من الناس ، علم فيما بعد أن أغلبهم يريدون

الشفاء مثله ، لكن نظراً لإنهاكه الشديد وشكله الذي دل على سوء حاله سمح له بالدخول مباشرة إلى خيمة الحكيم، وإثر معاينته قال الطبيب :" معذرة لكن لا

دواء لك عندي" ، فاستغرب الرجل المرض ذلك ، وأخبره أنه قطع مسيرة طويلة جداً ليصل إليه ، وأنه لم يتوقع أبداً هذا الرد ، خاصة بعد ما سمعه عنه بأنه الطبيب الأكثر شهرة على وجه الأرض ، وأنه عالم بجميع الأمراض ويعرف لكل مرض دواؤه ،

فاهتاج المريض وشتم الحكيم وصرخ عالياً حتى انهار أخيراً فأخرجه مساعدو الحكيم ، وعندما عاد إليه وعيه وجد نفسه خارج الخيمة على مقربة من مرعى أخضر كثيف العشب ، نظر حوله وردد في نفسه :" إن كان الحكيم أعظم طبيب

غير قادر على شفائي فأنا مائت لا محالة" وما إن أنهى فكرته تلك حتى شاهد راعياً يحلب عنزة غريبة شقراء ، اتكأ بعدها الراعي على جذع شجرة وغفا ، فشاهد المريض أفعواناً صغيراً ينفث سمه في حلة الحليب ، فقرر أن يشرب حلة

الحليب التي تحتوي السم فينهي عذابات مرضه ، وينقذ حياة من كان سيشرب هذه الحلة ، وفعلاً قام بذلك ، واتجه إلى كرم قرب النهر واستلقى تحت كرمة واطئة ونام حتى اليوم التالي ، لكنه استيقظ صباحاً بكامل نشاطه وكأن دماً

جديداً يجري في عروقه ، نهض بسرعة بعد أن لاحظ أن صحته عادت إليه كاملة ، قاصداً خيمة الحكيم ودون استئذان دخل وأراه نفسه معافىً تماماً ، فقال له الحكيم :" لا بد وأنك وجدت دواءك" فقال له المريض :" لكنك قلت أن مرضي لا دواء له" فأجابه الحكيم:
" أنا قلت ذلك ، لأن دواءك شبه مستحيل ، فهو بحاجة إلى مزج سم أفعوان حديث الولادة مع حليب عنزة شقراء ، وهذا من النادر توافره في منطقتنا ، لكنك من المؤكد وجدته" فأجابه:" والله صدقت ، فقد وجدته"، اعتذر المريض من الحكيم وعاد معافىً إلى قريته .

كل شخص منا يعاني من مرض أو خوف أو شك أو حتى هاجس .... ومهما بدت إمكانية إنهاء هذه المعاناة بعيدة المنال ، أو صعبة الوصول ، أو نادرة ... لكنها موجودة ، فلكل منا دواؤه ، والبحث عنه هو بداية