الاستنساخ: أنواعه وآفاق تطبيقاته
صفحة 1 من اصل 1
الاستنساخ: أنواعه وآفاق تطبيقاته
الاستنساخ: أنواعه وآفاق تطبيقاته
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبة اجمعين...اما بعد:
بعد كثرة الحديث عن الاستنساخ وعن تأثيراته والذي أثار جدلا كبير في العالم ليس في الأوساط العلمية فحسب بل علي جميع المستويات سواء من الناحية الدينية والسياسية والقانونية وغيرها فقد رأيت أن أشارك بهذا الموضوع عن الاستنساخ .
ازدادت إمكانية استنساخ Cloning الكائن البشري بعد أن استنسخ العلماء الاسكتلنديون في معهد "روسلين" النعجة الشهيرة "دوللي" (1997م) مما أثار اهتماما وقلقا في العالم كله بسبب النتائج العلمية والأخلاقية لمثل هذا الاستنساخ. وقد أدى هذا العمل الفذ إلى غموض في ما هو مقصود من الاستنساخ الذي يستخدم كمصطلح عام من قبل العلماء لوصف مختلف العمليات الهادفة لنسخ مادة حيوية.
وغالبا ما تتحدث وسائل الإعلام في تقاريرها عن نوع واحد من الاستنساخ يدعى الاستنساخ التوالدي Reproductive Cloning. ولكن ثمة أنماط عدة للاستنساخ, كما يمكن استخدام تقنيات الاستنساخ من أجل أغراض أخرى إلى جانب إنتاج التوائم الوراثية أو كائن حي آخر. وإن الفهم المؤسس على وجود أنماط مختلفة من الاستنساخ هو المفتاح لموقف مستنير من القضايا المطروحة على المستوى الشعبي واتخاذ أفضل القرارات الشخصية الممكنة.
ثمة ثلاثة أنماط من تقنيات الاستنساخ هي: استنساخ الدنا DNA والاستنساخ التوالدي والاستنساخ العلاجي. وسنقتصر على دراسة النوعين الثاني والثالث في هذه المقالة.
الاستنساخ التوالدي Reproductive Cloning
كانت النعجة "دوللي Dolly" أولى الثديات التي تم استنساخها من دنا DNA بالغ, والتي قضت نحبها بحقنة مميتة في الرابع عشر من شهر شباط – فبراير 2003م بعد أن عاشت ستة أعوام. عانت "دوللي" قبل وفاتها من سرطان الرئة والتهاب المفاصل. ومع أن الأغنام من هذا النوع تعيش 11-12 سنة عادة فلم يكشف الفحص بعد الموت عن أي شيء آخر سوى التهاب المفاصل وسرطان الرئة. وماتت النعجة التي استُنسخت "دوللي" منها بعد عدة سنوات على عملية الاستنساخ. وكانت "دوللي" أما لستة حملان ولدت بالطريقة الطبيعية.
تستخدم تِقانة الاستنساخ التوالدي لتوليد حيوان له الدنا النووي نفسه كما للحيوان السابق الذي يستنسخ منه. وقد استُنسخت "دوللي" بواسطة تِقانة الاستنساخ التوالدي هذه. نقل العلماء مادة وراثية من نواة خلية جسدية لنعجة كهلة مانحة إلى بيضة تمت إزالة نواتها وبالتالي مادتها الوراثية. وتمت معالجة البيضة الناتجة بمواد كيماوية أو تيار كهربي بهدف تحفيز الانقسام الخلوي. وعندما بلغت المضغة المستنسخة عمرا مناسبا تم نقلها لرحم أنثى مضيفة حيث تابعت نموها حتى الولادة.
ليست "دوللي" أو أي حيوان مستنسخ نسخة طبق الأصل عن الحيوان المانح. وصبغيات النسخة أو الدنا النووي هي التي تكون متماثلة مع مثيلتها عند المانح. ويأتي بعض من المادة الوراثية للنسخة من المتقدِّرات الكائنة في هيولى Cytoplasm البيضة منزوعة النواة. والمتقدِّرات Mitochondria هي المتعضيات التي تعتبر مصدرا لطاقة الخلية, وتحتوي على شدفات قصيرة من الدنا الخاص بها. يعتقد أن الطفرات المكتسبة التي تحدث في دنا المتقدِّرات تلعب دورا هاما في طول العمر.
إن النجاح في استنساخ "دوللي" يعتبر باهرا بالفعل لأنه أثبت أن المادة الوراثية من خلية كهلة متمايزة كخلية ضرع, مبرمجة لتعبر فقط عن الجينات اللازمة لخلايا الضرع, يمكن أن تبرمج من جديد لتكوِّن كائنا حيا جديدا وكاملا. وكان العلماء قد اعتقدوا أن التبدلات في الخلية المتمايزة, مثل الخلية الكبدية أو القلبية أو العظمية أو الضرعية أو أي نوع آخر من الخلايا, تصبح دائمة وتتعطل الجينات الأخرى غير الضرورية لهذه الخلية. ويعتقد بعض العلماء أن الأخطاء أو النواقص في إعادة البرمجة هي المسئولة عن المعدلات العالية من الموت والتشوهات والعجز الملاحظة عند الحيوانات المستنسخة.
يمكن أن يستخدم الاستنساخ التوالدي لتطوير طرق فعالة لتوليد حيوانات بنوعيات خاصة. مثلا, الحيوانات المنتجة للعقاقير أو حيوانات معدلة وراثيا لاستخدامها كنماذج من أجل دراسة مرض بشري.
كما يمكن استخدام الاستنساخ التوالدي في إعادة تأهيل الحيوانات المهددة بالانقراض أو الحيوانات صعبة التوالد. وفي عام 2001 ولدت أول نسخة Clone من حيوان بري مهدد بالانقراض, وهو ثور بري ضخم يعيش في جنوب شرق آسيا ويدعى "غَور Gaur". وقد مات الثور الفتي بعد 48 ساعة من ولادته بسبب انتان أصابه. وفي عام 2001 أيضا أعلن علماء إيطاليون عن استنساخ ناجح لنوع بري من الغنام يدعى "موفلون Mouflon", وهو نوع مهدد بالانقراض. ويعيش الموفلون المستنسخ هذا في مركز الحياة البرية في "سردينيا". وثمة أنواع أخرى مهددة بالانقراض مرشحة للاستنساخ مثل الظبي الوحشي الإفريقي "بانغو Bongo" ونمر سومطرة والباندا العملاق. ويمثل استنساخ الحيوانات المنقرضة تحديا كبيرا للعلماء بسبب الحاجة إلى بيضة وحيوان آخر من نوع مختلف من أجل توليد مضغة مستنسخة للحيوان المنقرض.
يعتبر الاستنساخ التوالدي غالي الثمن وغير فعال بنسبة عالية. وتفشل أكثر من 90% من محاولات الاستنساخ في توليد ذرية قابلة للحياة. ويلزم أكثر من 100 عملية نقل نووي لإنتاج نسخة واحدة قابلة للحياة. وعلاوة على معدلات النجاح المنخفضة, تميل الحيوانات المستنسخة لأن يكون لديها وظيفة مناعية ضعيفة ومعدلات عالية للإصابة بالانتان والنمو الورمي والاضطرابات الأخرى. وبينت الدراسات اليابانية أن الفئران المستنسخة تعيش بحالة صحية سيئة وتموت مبكرا. ومات حوالي ثلث العجول المستنسخة المولودة حية في عمر فتي وكان الكثير منها ضخما بصورة مفرطة. ولم يعش الكثير من الحيوانات المستنسخة لفترة طويلة بصورة كافية للحصول على معلومات حول العمر الذي تبلغه الحيوانات المستنسخة. والحالة السليمة التي تبدو في عمر مبكر ليست, لسوء الحظ, مؤشرا جيدا للبقاء طويلا على قيد الحياة. ومعروفٌ عن الحيوانات المستنسخة موتها بصورة غامضة. فمثلا, بدت أول نعجة أوسترالية مستنسخة بحالة صحية جيدة ولكنها ماتت بعد يوم واحد, وفشل تشريح الجثة في الكشف عن سبب الموت.
في عام 2002م كشف باحثون في معهد "وايتهيد" للأبحاث الطبية الحيوية في "كامبريدج" و "ماساشوسيتس" أن المجموعات الجينية Genomes للفئران المستنسخة تبدو هشة. وبتحليل أكثر من 10000 خلية من مشيمة وكبد فئران مستنسخة تبين أن 4% من الجينات تعمل بصورة شاذة. لم تنشأ الشذوذات من الطفرات في هذه الجينات بل من التبدلات في النشاط السوي أو تعبير بعض الجينات.
وقد تنشأ المشاكل أيضا من الأخطاء البرمجية في المادة الوراثية للخلية المانحة. عندما تتولد المضغة من اندماج النطفة والبيضة, تتلقى المضغة نسخا من معظم جينات كلا الأبوين. تدعى هذه العملية "التحوُّر Imprinting" الذي يميز كيماويا دنا الأم عن دنا الأب بحيث تكون نسخة واحدة من الجين فعالة (سواء كان من الأب أو الأم). إن عيوب التحوُّر الجيني للدنا من خلية مانح وحيدة يمكن أن تؤدي إلى بعض الشذوذات في تنامي المضغ المستنسخة.
ماهي الحيوانات التي تم استنساخها؟
استنسخ العلماء حيوانات منذ أعوام كثيرة. ففي عام 1952م استنسخ أول حيوان هو العلجوم أو ضفدع الطين Tadpole. وقبل توليد"دوللي", وهي الحيوان الثديي الأول الذي استنسخ من خلية حيوان بالغ, كانت الحيوانات المستنسخة تتولد من خلايا جنينية. وبعد "دوللي" استنسخ الباحثون عددا من الحيوانات الصغيرة والكبيرة بما فيها الأغنام والماعز والأبقار والفئران والخنازير والقطط والأرانب وثور "الغور". وتم توليد كل هذه الحيوانات المستنسخة باستخدام تِقانة النقل النووي Nuclear Transfer Technology.
توجد حاليا مئات من الحيوانات المستنسخة, ولكن عدد الأنواع مازال محدودا. ولم تنجح محاولات استنساخ بعض الأنواع مثل السعادين والدجاج والخيول والكلاب. كما أن بعض الأنواع قد تكون أكثر مقاومة لنقل نواة الخلية الجسدية من الأنواع الأخرى. إن عملية نزع النواة من خلية البيضة واستبدالها بنواة خلية المانح هي عملية رضحية Traumatic, ولابد من إجراء تحسينات على تِقانات الاستنساخ قبل أن يصبح بالإمكان استنساخ أنواع عديدة بنجاح.
هل يُستنسخ الإنسان؟
عبر معظم العلماء عن وقوفهم ضد عمليات الاستنساخ التوالدي البشري. وبسبب عدم فعالية الاستنساخ الحيواني (نسبة النجاح تبلغ 1 – 2%) ونقص الفهم المتعلق بالاستنساخ التوالدي فإن معظم العلماء والأطباء يعتقدون بصورة جازمة بأن محاولة استنساخ الإنسان هي عملية لاأخلاقية. ولم تفشل معظم محاولات استنساخ الحيوانات فقط, بل أن 30% من الحيوانات المستنسخة التي ولدت حية أصيبت بـ "متلازمة الذرية الضخمة Large Offspring Syndrome" وحالات الضعف الأخرى. وماتت بعض الحيوانات المستنسخة مبكرا من الانتان والمضاعفات الأخرى. ويتوقع حدوث المشاكل نفسها في الاستنساخ البشري. كما أن العلماء لا يعرفون كيف سيؤثر الاستنساخ على التطور العقلي. وبينما لا تكون العوامل من مثل الذكاء والمزاج مهمة بالنسبة للفأرة والبقرة فهي حاسمة لتنامي البشر بصورة سليمة. ومع كل هذه المجاهل المتعلقة بالاستنساخ التوالدي فإن محاولة استنساخ الإنسان في الوقت الحاضر محفوفة بالمخاطر وعمل غير مسئول أخلاقيا.
الاستنساخ العلاجي Therapeutic Cloning
الاستنساخ العلاجي أو المضغي هو إنتاج أجنة بشرية لاستخدامها في البحث. لا تهدف هذه العملية إلى توليد كائنات بشرية مستنسخة, بل للحصول على خلايا جذعية Stem Cells يمكن استخدامها لدراسة التنامي البشري ومعالجة الأمراض. تعود أهمية الخلايا الجذعية في الأبحاث الطبية الحيوية إلى إمكانية استخدامها في توليد أي نوع من الخلايا المتمايزة في الجسم البشري. تستخرج الخلايا الجذعية من البيضة في اليوم الخامس لانقسامها. يؤدي استخراج الخلية الجذعية إلى تدمير المضغة مما يثير نوعا من القلق الأخلاقي. ويأمل الكثير من العلماء أن يتمكنوا من استخدام الخلايا الجذعية في عمر يوم واحد كخلايا بديلة في أمراض القلب ومرض "الْزهايمر" والسرطان وأمراض أخرى.
في شهر تشرين الثاني-نوفمبر من عام 2001م أعلن علماء التِقانة الحيوية في "ماساشوسيتس" عن استخدامهم لتِقانات خلوية متقدمة واستنساخ أول مضغ بشرية لغايات الأبحاث العلاجية. ولعمل ذلك, قاموا بجمع البيوض من مبايض النساء ومن ثم إزالة المادة الوراثية من هذه البيوض بواسطة إبرة بقطر أقل من 2/10000 من الإنش. وتم إدخال الخلايا القشر هذه في بيضة منزوعة النواة Enucleated Egg لتقوم مقام نواة جديدة. وبدأت البيضة بالانقسام بعد أن تم تحفيزها بمادة كيماوية تدعى ايونومايسين Ionomycin. كانت العملية محدودة النجاح. ومع أن العملية أجريت لبيوض من ثماني خلايا فقد انقسمت ثلاثة منها فقط وتمكنت واحدة منها فقط أن تنقسم إلى ست خلايا قبل أن تتوقف.
وقريبا يمكن أن توضع تِقانة الاستنساخ العلاجي موضع التطبيق عند البشر بإنتاج أعضاء كاملة من خلايا وحيدة أو لإنتاج خلايا سليمة يمكن أن تحل مكان الخلايا المتأذية في الأمراض التنكسية مثل مرضي "ألزهايمر" و "باركنسون". وثمة حاجة لكثير من العمل والجهد حتى يصبح الاستنساخ العلاجي خيارا واقعيا في معالجة الأمراض.
يأمل العلماء أن يأتي يوم يمكن أن يستخدم فيه الاستنساخ العلاجي لتوليد نسج وأعضاء لأجل الغرائس Transplants. وللقيام بذلك, يستخرج الدنا DNA من شخص بحاجة لغريسة ويُدخل في بيضة منزوعة النواة Enucleated. وبعد أن تبدأ البيضة المحتوية على دنا المريض بالانقسام, يتم حصاد محصول الخلايا الجذعية المضغية التي يمكن أن تتحول إلى أي نوع من النسج. تستخدم الخلايا الجذعية هذه في توليد عضو أو نسيج متوافق جينيا مع المتلقي. نظريا, يمكن غرس العضو المستنسخ في مريض بدون خطر الرفض النسيجي. وإذا تم توليد الأعضاء من مضغ بشرية مستنسخة فستقل الحاجة لمانح العضو Organ Donation بصورة جلية.
ولابد من التغلب على الكثير من المعوقات قبل أن تصبح غرائس "العضو المستنسخ Cloned Organ" حقيقة. ولابد من تطوير تِقانات أكثر فعالية لتوليد مضغ بشرية ولحصاد الخلايا الجذعية ولإنتاج الأعضاء من الخلايا الجذعية هذه. في عام 2001م أعلن العلماء أنهم استنسخوا أول مضغ بشرية, واحدة منها فقط انقسمت إلى ست خلايا قبل أن تتوقف عن الانقسام. وفي شباط – فبراير من عام 2002م, صرح العلماء بالتعاون مع شركة التِقانة الحيوية نفسها أنهم غرسوا أعضاء شبيهة بالكلية في الأبقار. وولَّد فريق الباحثين مضغة بقر مستنسخة بإزالة الدنا من خلية بيضية ومن ثم حقن الدنا هذا في خلية قشر Skin Cell(لا تحتوي نواة) من أذن بقرة مانحة. ونظرا لقلة الخبرة في التعامل مع الخلايا المضغية الجذعية للأبقار, فقد ترك العلماء المضغ المستنسخة لتتنامى إلى أجنة. ثم جمعوا النسيج الجنيني من الحيوانات المستنسخة وغرسوه في بقرة مانحة. وخلال ثلاثة أشهر من المراقبة بعد الغرس, لم تلاحظ أي من علامات الرفض المناعي في المتلقي المغروس.
ويتمثل تطبيق آخر لاستنساخ أعضاء الغرائس بتوليد خنازير معدلة وراثيا يمكن جني أعضاء منها واستخدامها كغرائس بشرية. يدعى اغتراس الأعضاء والنسج الحيوانية في الأجساد البشرية الاغتراس المغاير Xenotransplantation.
لماذا الخنازير؟ الرئيسات Primates أقرب وراثيا للإنسان ولكنها صعبة الاستنساخ ولديها معدل توالد منخفض. من الأنواع الحيوانية التي استُنسخت بنجاح, تعتبر نسج وأعضاء الخنازير هي الأكثر تشابها مع مثيلتها عند الإنسان. ولتوليد الخنزير هذه يجب على العلماء تعطيل الجينات التي تدفع الجهاز المناعي البشري لرفض عضو الخنزير المغروس. في عام 2002م أعلنت شركة التِقانة الحيوية البريطانية أنها كانت الأولى في إنتاج خنازير معدلة وراثيا بحيث تم التخلص من نسختي الجين المسئول عن رفض الغريسة. ثمة حاجة إلى الكثير من الأبحاث لدراسة انغراس الأعضاء من الخنازير في حيوانات أخرى
منقول
الحمد لله والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبة اجمعين...اما بعد:
بعد كثرة الحديث عن الاستنساخ وعن تأثيراته والذي أثار جدلا كبير في العالم ليس في الأوساط العلمية فحسب بل علي جميع المستويات سواء من الناحية الدينية والسياسية والقانونية وغيرها فقد رأيت أن أشارك بهذا الموضوع عن الاستنساخ .
ازدادت إمكانية استنساخ Cloning الكائن البشري بعد أن استنسخ العلماء الاسكتلنديون في معهد "روسلين" النعجة الشهيرة "دوللي" (1997م) مما أثار اهتماما وقلقا في العالم كله بسبب النتائج العلمية والأخلاقية لمثل هذا الاستنساخ. وقد أدى هذا العمل الفذ إلى غموض في ما هو مقصود من الاستنساخ الذي يستخدم كمصطلح عام من قبل العلماء لوصف مختلف العمليات الهادفة لنسخ مادة حيوية.
وغالبا ما تتحدث وسائل الإعلام في تقاريرها عن نوع واحد من الاستنساخ يدعى الاستنساخ التوالدي Reproductive Cloning. ولكن ثمة أنماط عدة للاستنساخ, كما يمكن استخدام تقنيات الاستنساخ من أجل أغراض أخرى إلى جانب إنتاج التوائم الوراثية أو كائن حي آخر. وإن الفهم المؤسس على وجود أنماط مختلفة من الاستنساخ هو المفتاح لموقف مستنير من القضايا المطروحة على المستوى الشعبي واتخاذ أفضل القرارات الشخصية الممكنة.
ثمة ثلاثة أنماط من تقنيات الاستنساخ هي: استنساخ الدنا DNA والاستنساخ التوالدي والاستنساخ العلاجي. وسنقتصر على دراسة النوعين الثاني والثالث في هذه المقالة.
الاستنساخ التوالدي Reproductive Cloning
كانت النعجة "دوللي Dolly" أولى الثديات التي تم استنساخها من دنا DNA بالغ, والتي قضت نحبها بحقنة مميتة في الرابع عشر من شهر شباط – فبراير 2003م بعد أن عاشت ستة أعوام. عانت "دوللي" قبل وفاتها من سرطان الرئة والتهاب المفاصل. ومع أن الأغنام من هذا النوع تعيش 11-12 سنة عادة فلم يكشف الفحص بعد الموت عن أي شيء آخر سوى التهاب المفاصل وسرطان الرئة. وماتت النعجة التي استُنسخت "دوللي" منها بعد عدة سنوات على عملية الاستنساخ. وكانت "دوللي" أما لستة حملان ولدت بالطريقة الطبيعية.
تستخدم تِقانة الاستنساخ التوالدي لتوليد حيوان له الدنا النووي نفسه كما للحيوان السابق الذي يستنسخ منه. وقد استُنسخت "دوللي" بواسطة تِقانة الاستنساخ التوالدي هذه. نقل العلماء مادة وراثية من نواة خلية جسدية لنعجة كهلة مانحة إلى بيضة تمت إزالة نواتها وبالتالي مادتها الوراثية. وتمت معالجة البيضة الناتجة بمواد كيماوية أو تيار كهربي بهدف تحفيز الانقسام الخلوي. وعندما بلغت المضغة المستنسخة عمرا مناسبا تم نقلها لرحم أنثى مضيفة حيث تابعت نموها حتى الولادة.
ليست "دوللي" أو أي حيوان مستنسخ نسخة طبق الأصل عن الحيوان المانح. وصبغيات النسخة أو الدنا النووي هي التي تكون متماثلة مع مثيلتها عند المانح. ويأتي بعض من المادة الوراثية للنسخة من المتقدِّرات الكائنة في هيولى Cytoplasm البيضة منزوعة النواة. والمتقدِّرات Mitochondria هي المتعضيات التي تعتبر مصدرا لطاقة الخلية, وتحتوي على شدفات قصيرة من الدنا الخاص بها. يعتقد أن الطفرات المكتسبة التي تحدث في دنا المتقدِّرات تلعب دورا هاما في طول العمر.
إن النجاح في استنساخ "دوللي" يعتبر باهرا بالفعل لأنه أثبت أن المادة الوراثية من خلية كهلة متمايزة كخلية ضرع, مبرمجة لتعبر فقط عن الجينات اللازمة لخلايا الضرع, يمكن أن تبرمج من جديد لتكوِّن كائنا حيا جديدا وكاملا. وكان العلماء قد اعتقدوا أن التبدلات في الخلية المتمايزة, مثل الخلية الكبدية أو القلبية أو العظمية أو الضرعية أو أي نوع آخر من الخلايا, تصبح دائمة وتتعطل الجينات الأخرى غير الضرورية لهذه الخلية. ويعتقد بعض العلماء أن الأخطاء أو النواقص في إعادة البرمجة هي المسئولة عن المعدلات العالية من الموت والتشوهات والعجز الملاحظة عند الحيوانات المستنسخة.
يمكن أن يستخدم الاستنساخ التوالدي لتطوير طرق فعالة لتوليد حيوانات بنوعيات خاصة. مثلا, الحيوانات المنتجة للعقاقير أو حيوانات معدلة وراثيا لاستخدامها كنماذج من أجل دراسة مرض بشري.
كما يمكن استخدام الاستنساخ التوالدي في إعادة تأهيل الحيوانات المهددة بالانقراض أو الحيوانات صعبة التوالد. وفي عام 2001 ولدت أول نسخة Clone من حيوان بري مهدد بالانقراض, وهو ثور بري ضخم يعيش في جنوب شرق آسيا ويدعى "غَور Gaur". وقد مات الثور الفتي بعد 48 ساعة من ولادته بسبب انتان أصابه. وفي عام 2001 أيضا أعلن علماء إيطاليون عن استنساخ ناجح لنوع بري من الغنام يدعى "موفلون Mouflon", وهو نوع مهدد بالانقراض. ويعيش الموفلون المستنسخ هذا في مركز الحياة البرية في "سردينيا". وثمة أنواع أخرى مهددة بالانقراض مرشحة للاستنساخ مثل الظبي الوحشي الإفريقي "بانغو Bongo" ونمر سومطرة والباندا العملاق. ويمثل استنساخ الحيوانات المنقرضة تحديا كبيرا للعلماء بسبب الحاجة إلى بيضة وحيوان آخر من نوع مختلف من أجل توليد مضغة مستنسخة للحيوان المنقرض.
يعتبر الاستنساخ التوالدي غالي الثمن وغير فعال بنسبة عالية. وتفشل أكثر من 90% من محاولات الاستنساخ في توليد ذرية قابلة للحياة. ويلزم أكثر من 100 عملية نقل نووي لإنتاج نسخة واحدة قابلة للحياة. وعلاوة على معدلات النجاح المنخفضة, تميل الحيوانات المستنسخة لأن يكون لديها وظيفة مناعية ضعيفة ومعدلات عالية للإصابة بالانتان والنمو الورمي والاضطرابات الأخرى. وبينت الدراسات اليابانية أن الفئران المستنسخة تعيش بحالة صحية سيئة وتموت مبكرا. ومات حوالي ثلث العجول المستنسخة المولودة حية في عمر فتي وكان الكثير منها ضخما بصورة مفرطة. ولم يعش الكثير من الحيوانات المستنسخة لفترة طويلة بصورة كافية للحصول على معلومات حول العمر الذي تبلغه الحيوانات المستنسخة. والحالة السليمة التي تبدو في عمر مبكر ليست, لسوء الحظ, مؤشرا جيدا للبقاء طويلا على قيد الحياة. ومعروفٌ عن الحيوانات المستنسخة موتها بصورة غامضة. فمثلا, بدت أول نعجة أوسترالية مستنسخة بحالة صحية جيدة ولكنها ماتت بعد يوم واحد, وفشل تشريح الجثة في الكشف عن سبب الموت.
في عام 2002م كشف باحثون في معهد "وايتهيد" للأبحاث الطبية الحيوية في "كامبريدج" و "ماساشوسيتس" أن المجموعات الجينية Genomes للفئران المستنسخة تبدو هشة. وبتحليل أكثر من 10000 خلية من مشيمة وكبد فئران مستنسخة تبين أن 4% من الجينات تعمل بصورة شاذة. لم تنشأ الشذوذات من الطفرات في هذه الجينات بل من التبدلات في النشاط السوي أو تعبير بعض الجينات.
وقد تنشأ المشاكل أيضا من الأخطاء البرمجية في المادة الوراثية للخلية المانحة. عندما تتولد المضغة من اندماج النطفة والبيضة, تتلقى المضغة نسخا من معظم جينات كلا الأبوين. تدعى هذه العملية "التحوُّر Imprinting" الذي يميز كيماويا دنا الأم عن دنا الأب بحيث تكون نسخة واحدة من الجين فعالة (سواء كان من الأب أو الأم). إن عيوب التحوُّر الجيني للدنا من خلية مانح وحيدة يمكن أن تؤدي إلى بعض الشذوذات في تنامي المضغ المستنسخة.
ماهي الحيوانات التي تم استنساخها؟
استنسخ العلماء حيوانات منذ أعوام كثيرة. ففي عام 1952م استنسخ أول حيوان هو العلجوم أو ضفدع الطين Tadpole. وقبل توليد"دوللي", وهي الحيوان الثديي الأول الذي استنسخ من خلية حيوان بالغ, كانت الحيوانات المستنسخة تتولد من خلايا جنينية. وبعد "دوللي" استنسخ الباحثون عددا من الحيوانات الصغيرة والكبيرة بما فيها الأغنام والماعز والأبقار والفئران والخنازير والقطط والأرانب وثور "الغور". وتم توليد كل هذه الحيوانات المستنسخة باستخدام تِقانة النقل النووي Nuclear Transfer Technology.
توجد حاليا مئات من الحيوانات المستنسخة, ولكن عدد الأنواع مازال محدودا. ولم تنجح محاولات استنساخ بعض الأنواع مثل السعادين والدجاج والخيول والكلاب. كما أن بعض الأنواع قد تكون أكثر مقاومة لنقل نواة الخلية الجسدية من الأنواع الأخرى. إن عملية نزع النواة من خلية البيضة واستبدالها بنواة خلية المانح هي عملية رضحية Traumatic, ولابد من إجراء تحسينات على تِقانات الاستنساخ قبل أن يصبح بالإمكان استنساخ أنواع عديدة بنجاح.
هل يُستنسخ الإنسان؟
عبر معظم العلماء عن وقوفهم ضد عمليات الاستنساخ التوالدي البشري. وبسبب عدم فعالية الاستنساخ الحيواني (نسبة النجاح تبلغ 1 – 2%) ونقص الفهم المتعلق بالاستنساخ التوالدي فإن معظم العلماء والأطباء يعتقدون بصورة جازمة بأن محاولة استنساخ الإنسان هي عملية لاأخلاقية. ولم تفشل معظم محاولات استنساخ الحيوانات فقط, بل أن 30% من الحيوانات المستنسخة التي ولدت حية أصيبت بـ "متلازمة الذرية الضخمة Large Offspring Syndrome" وحالات الضعف الأخرى. وماتت بعض الحيوانات المستنسخة مبكرا من الانتان والمضاعفات الأخرى. ويتوقع حدوث المشاكل نفسها في الاستنساخ البشري. كما أن العلماء لا يعرفون كيف سيؤثر الاستنساخ على التطور العقلي. وبينما لا تكون العوامل من مثل الذكاء والمزاج مهمة بالنسبة للفأرة والبقرة فهي حاسمة لتنامي البشر بصورة سليمة. ومع كل هذه المجاهل المتعلقة بالاستنساخ التوالدي فإن محاولة استنساخ الإنسان في الوقت الحاضر محفوفة بالمخاطر وعمل غير مسئول أخلاقيا.
الاستنساخ العلاجي Therapeutic Cloning
الاستنساخ العلاجي أو المضغي هو إنتاج أجنة بشرية لاستخدامها في البحث. لا تهدف هذه العملية إلى توليد كائنات بشرية مستنسخة, بل للحصول على خلايا جذعية Stem Cells يمكن استخدامها لدراسة التنامي البشري ومعالجة الأمراض. تعود أهمية الخلايا الجذعية في الأبحاث الطبية الحيوية إلى إمكانية استخدامها في توليد أي نوع من الخلايا المتمايزة في الجسم البشري. تستخرج الخلايا الجذعية من البيضة في اليوم الخامس لانقسامها. يؤدي استخراج الخلية الجذعية إلى تدمير المضغة مما يثير نوعا من القلق الأخلاقي. ويأمل الكثير من العلماء أن يتمكنوا من استخدام الخلايا الجذعية في عمر يوم واحد كخلايا بديلة في أمراض القلب ومرض "الْزهايمر" والسرطان وأمراض أخرى.
في شهر تشرين الثاني-نوفمبر من عام 2001م أعلن علماء التِقانة الحيوية في "ماساشوسيتس" عن استخدامهم لتِقانات خلوية متقدمة واستنساخ أول مضغ بشرية لغايات الأبحاث العلاجية. ولعمل ذلك, قاموا بجمع البيوض من مبايض النساء ومن ثم إزالة المادة الوراثية من هذه البيوض بواسطة إبرة بقطر أقل من 2/10000 من الإنش. وتم إدخال الخلايا القشر هذه في بيضة منزوعة النواة Enucleated Egg لتقوم مقام نواة جديدة. وبدأت البيضة بالانقسام بعد أن تم تحفيزها بمادة كيماوية تدعى ايونومايسين Ionomycin. كانت العملية محدودة النجاح. ومع أن العملية أجريت لبيوض من ثماني خلايا فقد انقسمت ثلاثة منها فقط وتمكنت واحدة منها فقط أن تنقسم إلى ست خلايا قبل أن تتوقف.
وقريبا يمكن أن توضع تِقانة الاستنساخ العلاجي موضع التطبيق عند البشر بإنتاج أعضاء كاملة من خلايا وحيدة أو لإنتاج خلايا سليمة يمكن أن تحل مكان الخلايا المتأذية في الأمراض التنكسية مثل مرضي "ألزهايمر" و "باركنسون". وثمة حاجة لكثير من العمل والجهد حتى يصبح الاستنساخ العلاجي خيارا واقعيا في معالجة الأمراض.
يأمل العلماء أن يأتي يوم يمكن أن يستخدم فيه الاستنساخ العلاجي لتوليد نسج وأعضاء لأجل الغرائس Transplants. وللقيام بذلك, يستخرج الدنا DNA من شخص بحاجة لغريسة ويُدخل في بيضة منزوعة النواة Enucleated. وبعد أن تبدأ البيضة المحتوية على دنا المريض بالانقسام, يتم حصاد محصول الخلايا الجذعية المضغية التي يمكن أن تتحول إلى أي نوع من النسج. تستخدم الخلايا الجذعية هذه في توليد عضو أو نسيج متوافق جينيا مع المتلقي. نظريا, يمكن غرس العضو المستنسخ في مريض بدون خطر الرفض النسيجي. وإذا تم توليد الأعضاء من مضغ بشرية مستنسخة فستقل الحاجة لمانح العضو Organ Donation بصورة جلية.
ولابد من التغلب على الكثير من المعوقات قبل أن تصبح غرائس "العضو المستنسخ Cloned Organ" حقيقة. ولابد من تطوير تِقانات أكثر فعالية لتوليد مضغ بشرية ولحصاد الخلايا الجذعية ولإنتاج الأعضاء من الخلايا الجذعية هذه. في عام 2001م أعلن العلماء أنهم استنسخوا أول مضغ بشرية, واحدة منها فقط انقسمت إلى ست خلايا قبل أن تتوقف عن الانقسام. وفي شباط – فبراير من عام 2002م, صرح العلماء بالتعاون مع شركة التِقانة الحيوية نفسها أنهم غرسوا أعضاء شبيهة بالكلية في الأبقار. وولَّد فريق الباحثين مضغة بقر مستنسخة بإزالة الدنا من خلية بيضية ومن ثم حقن الدنا هذا في خلية قشر Skin Cell(لا تحتوي نواة) من أذن بقرة مانحة. ونظرا لقلة الخبرة في التعامل مع الخلايا المضغية الجذعية للأبقار, فقد ترك العلماء المضغ المستنسخة لتتنامى إلى أجنة. ثم جمعوا النسيج الجنيني من الحيوانات المستنسخة وغرسوه في بقرة مانحة. وخلال ثلاثة أشهر من المراقبة بعد الغرس, لم تلاحظ أي من علامات الرفض المناعي في المتلقي المغروس.
ويتمثل تطبيق آخر لاستنساخ أعضاء الغرائس بتوليد خنازير معدلة وراثيا يمكن جني أعضاء منها واستخدامها كغرائس بشرية. يدعى اغتراس الأعضاء والنسج الحيوانية في الأجساد البشرية الاغتراس المغاير Xenotransplantation.
لماذا الخنازير؟ الرئيسات Primates أقرب وراثيا للإنسان ولكنها صعبة الاستنساخ ولديها معدل توالد منخفض. من الأنواع الحيوانية التي استُنسخت بنجاح, تعتبر نسج وأعضاء الخنازير هي الأكثر تشابها مع مثيلتها عند الإنسان. ولتوليد الخنزير هذه يجب على العلماء تعطيل الجينات التي تدفع الجهاز المناعي البشري لرفض عضو الخنزير المغروس. في عام 2002م أعلنت شركة التِقانة الحيوية البريطانية أنها كانت الأولى في إنتاج خنازير معدلة وراثيا بحيث تم التخلص من نسختي الجين المسئول عن رفض الغريسة. ثمة حاجة إلى الكثير من الأبحاث لدراسة انغراس الأعضاء من الخنازير في حيوانات أخرى
منقول
- تاريخ التسجيل : 01/01/1970
مواضيع مماثلة
» الاستنساخ: أنواعه وآفاق تطبيقاته
» المساج و تعريفه و أنواعه
» التدليك والمساج أنواعه وفوائده
» ماهو الصداع و ماهي أنواعه
» السحر: أنواعه وأعراضه ورأي العلم فيه
» المساج و تعريفه و أنواعه
» التدليك والمساج أنواعه وفوائده
» ماهو الصداع و ماهي أنواعه
» السحر: أنواعه وأعراضه ورأي العلم فيه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى